الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن تحري الحلال أمر مطلوب شرعاً ويحمد عليه صاحبه، وهو علامة على حرص صاحبه على مرضاة الله، مهما كانت التضحية أو المعاناة، وكثيراً ما يقع الابتلاء للمرء في عمله أو مهنته التي يتكسب منها، حيث يفاجأ بأن عمله مشبوه أو محرم، فالمسلم الملتزم الذي يحرص على مرضاة الله لا يستثقل أن يترك العمل إذا كان يتعارض مع أمر الله، ويرضى بما قدره الله عليه، ويكون حاله التسليم فيوفق بعد ذلك ويبارك الله له في عمره، ويرزقه من حيث لا يحتسب، لأنه اتقى الله، والله يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ) [الطلاق:2-3] أما من يصر على عمله مهما كان محرماً أو مشبوهاً، فإنه ولا شك لم ينجح في الاختبار والابتلاء، ولم يقابل أمر الله بالتسليم، وقد عرض نفسه لغضب الله ومقته.
أما بالنسبة لحكم الغناء والموسيقى فقد تقدم الجواب عنه في الفتوى رقم : 5282 وقد بينا فيه حرمة المعازف والموسيقى.
وبناء على ذلك فإنه يحرم الاستماع إلى المعازف والموسيقى، كما أنه لا يجوز العمل في [العزف] على هذه الآلات، والمال الذي يأتي من وراء هذا العمل كسب محرم شرعاً لأن مهمة الغناء أو العزف على الموسيقى مهنة غير محترمة شرعاً، وكثير من الفقهاء قد رد شهادة المغني والمغنية والموسيقار رجلاً أو امرأة، واعتبر ذلك فسقاً ترد به الشهادة قال الإمام ابن قدامة في المغني: وعلى كل حال من اتخذ الغناء صناعة يُؤتى له، ويأتي له، أو تخذ غلاماً أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس فلا شهادة له، لأن هذا عند من لم يحرمه سفه ودناءة، وسقوط مروءة. ومن حرمه فهو مع سفهه عاص مصر متظاهر بفسوقه، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي…إلخ انظر المغني لابن قدامة (12/42) كتاب الشهادات. كما اعتبر الفقهاء آلات اللهو والطرب آلة للمعصية، وقالوا بأن من سرقها لا تقطع يده، ومن كسرها لا ضمان عليه، لأنها آلات غير محترمة شرعاً، انظر المغني ( 10/282) ومن الفقهاء من نص على أن ( من اشترى جارية ثم تبين له أنها مغنية) أنها ترد بالعيب على البائع. ولهذا فإننا ننصح السائل الكريم بالبحث عن عمل آخر. ونسأل الله أن ييسر له ذلك، ومن الأمور الحسنة التي ذكرها السائل أنه لا يعمل بالملاهي الليلية، ولا يعزف وراء النساء في الحفلات، ويتحرى الرزق الحلال، وهذه أمور مشجعة لترك التدريس بمعهد الموسيقى، وترك العزف على الكمان، حتى مع عدم اتقانك لعمل آخر بحكم الدراسة، فعليك أخي الكريم بالالتجاء إلى الله وكثرة دعائه أن يوفقك للخير ويصرف عنك الشر ويرزقك العمل الصالح والرزق الحلال، وابحث عن عمل مناسب لك ولاتيأس، وستجد إن شاء الله ولو أنك حاولت بما جمعت من مال ولو كان يسيراً أن تتجر به شيئاً فشيئاً حتى تستغني عما أنت فيه، أو تبحث عن وظيفة أخرى ولو بمرتب أقل حتى يغنيك الله من فضله وفقك الله.
والله أعلم.