الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام ابن عطية -رحمه الله- في تفسيره: وظاهر الآثار أن السبع الطوال، والحواميم، والمفصل، كل ذلك كان مرتبًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وكان في السور ما لم يرتب، فذلك هو الذي رتب وقت الكتابة.
والذي ذكره -رحمه الله- هو الحق؛ لأن القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان محفوظًا في صدور بعض الصحابة، ومنه ما هو مكتوب في الصحف، والأكتاف، وغير ذلك، فدل هذا على أن القرآن كله، لم يجمع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأما جمعه في عهد الصديق -رضي الله عنه- فقد روى البخاري -رحمه الله- في صحيحه، أن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف نعمل شيئًا لم يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: هذا -والله- خير، فلم يزل عمر يراجعني؛ حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن، فاجمعه…). فجمعه زيد -رضي الله عنه-. وهذا هو الجمع الأول.
وأما الجمع الثاني: ففي عهد عثمان -رضي الله عنه-، والذي أشار به عليه هو حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما-، فانتدب زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، ومعه ثلاثة من قريش: سعيد بن العاصي، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم-.
وقد ذكر أهل العلم أن الصحف التي كانت عند حفصة بنت عمر -رضي الله عنهما- جعلت إمامًا في هذا الجمع الأخير، وبقيت الصحف فيما بعد في الترتيب على ما هي عليه الآن.
والله أعلم.