الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فقد بينا حكم الهجرة من بلاد الكفار في الفتوى رقم: 8614، ورقم: 2007. وبينا في الفتوى رقم: 4003، جواز نقل الميت إلى بلد آخر لمصلحة، ولا يضر تأخير دفنه لأجل تلك المصلحة بشرط ألا يحصل خلال ذلك تمزق أعضاء الميت ونحو ذلك، وقد توفر اليوم من وسائل الحفظ ما يمنع ذلك وعليه فالمفاسد المترتبة على دفن المسلم في بلاد الكفار أعظم من نقله إلى بلد إسلامي في الصورة المسؤول عنها لأن دفن المسلم في مقابر الكفار محرم بالاتفاق، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع: اتفق أصحابنا ـ الشافعية ـ رحمهم الله على أنه لا يدفن مسلم في مقبرة كفار ولا كفار في مقبرة مسلمين. وبقية المذاهب كمذهبهم، وأما النقل مع حفظ الميت فالأكثر على جوازه، قال الحافظ في الفتح: واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، فقيل يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته، وقيل يستحب والأولى تنزيل ذلك على حالتين، فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة وتختلف الكراهة في ذلك، فقد تبلغ التحريم والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها. ولمالك في الموطأ: أنه سمع غير واحد يقول إن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق فحملا إلى المدينة ودفنا بها. قال الشوكاني رحمه الله: قوله فحملا إلى المدينة، فيه جواز نقل الميت من الموطن الذي مات فيه إلى موطن آخر يدفن فيه، والأصل الجواز فلا يمنع من ذلك إلا لدليل. وفي حالة المسلم في مقبرة الكفار فإنه ينقل منها إلى مقبرة المسلمين الخاصة بهم، والدفن في التابوت مكروه، قال الخطيب الشربيني: ويكره دفنه في تابوت بالإجماع لأنه بدعة ( إلا في أرض ندية... أو رخوة). وهي ... ضد الشديدة فلا يكره للمصلحة ولا تنفذ وصيته به إلا في هذه الحالة. وفيه تعريض لإهانة المسلم بنبش قبره عند عدم تسديد ثمن القبر وعليه فلا مانع من نقله.