الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فالذي لا يشك فيه مسلم أن هذا القرآن معجز في فصاحته وبلاغته، ومعجز في بيانه وعلومه ومعارفه، لأنه كلام رب العالمين، قال تعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ{هود: 1}. هذا، وقد قال الإمام القرطبي في تفسيره عن معاني الحروف المقطعة في أوائل بعض السور: اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور، فقال عامر الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سر فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وذكر أبو الليث السمر قندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر، وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوئل السور، ولا ندري ما أراد الله جل وعز بها. قلت: ومن هذا المعنى ما ذكره أبو بكر الأنباري: حدثنا الحسن بن الحباب حدثنا أبو بكر بن أبي طالب حدثنا أبو المنذر الواسطي عن مالك بن مغول عن سعيد بن مسروق عن الربيع بن خثيم قال: إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء وأطلعكم على ما شاء، فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه، وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به، وما بكل القرآن تعلمون، ولا بكل ما تعلمون تعملون. قال أبو بكر: فهذا يوضح أن حروفاً من القرآن ستر معانيها عن جميع العالم، اختباراً من الله عز وجل وامتحاناً، فمن آمن بها أثيب وسعد، ومن كفر وشك أثم وبعد. انتهى. وكذلك اختلف العلماء في ترتيب السور في المصحف هل هذا الترتيب توقيفي أم هو اجتهاد من الصحابة؟ وانظر الفتويين: 36344، 32404. وعلى هذا، فإن ما اكتشفته من وجوه الإعجاز في ترتيب سور القرآن وعلاقته بالمقصود بحرف (ص) الذي ابتدأ الله به سورة (ص) ـ نخشى أن يكون من التكلف، ومن قفو ماليس لنا به علم، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 17108.
والله أعلم.