الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالوهابية لقب أطلق على الحركة الإسلامية، التي تزعمها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وهو لقب لم يطلقه على نفسه، ولا أطلقه عليه أحد أتباعه، وإنما جاء من قبل خصومه، وأعدائه، والشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- أحد العلماء المجددين، والقادة المصلحين، شهد له العلماء المنصفون بالعلم، والديانة، والاستقامة، بل عده كثير منهم مجدد القرن الثاني عشر الهجري، وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشد رضا: كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-، مجددًا للإسلام في بلاد نجد، بإرجاع أهله عن الشرك، والبدع التي فشت فيهم إلى التوحيد، والسنة. وقال: ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وترك البدع، والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة.
ومن عرف حال نجد، والجزيرة، قبل انتشار دعوة الشيخ، من انتشار البدع، والخرافات، وأنواع الجهالات، أدرك ما لهذه الدعوة من الآثار الحميدة، والخصال الفاضلة، والدور العظيم في إحياء السنة، وإماتة البدعة.
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة ألف ومائة وخمس عشرة (1115هـ) من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، في بلدة العيينة، في أسرة معروفة بالعلم، والصلاح، وتعلم القرآن، وحفظه قبل بلوغه عشر سنين، وكان حاد الفهم، وقاد الذهن، سريع الحفظ، قرأ على أبيه الفقه، ورحل إلى ما يليه من الأقطار، فأتى البصرة، والإحساء، والحجاز، وغيرها.
وللشيخ -رحمه الله- مؤلفات نافعة، منها: كتاب التوحيد، ومختصر السيرة، وغيرها من المؤلفات النافعة، التي تدل على علمه، وفضله، على عكس ما يدعيه خصومه، ومناوئو دعوته.
ولنذكر هنا طرفًا من ثناء العلماء عليه -رحمه الله-:
قال علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار في كتابه: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس للوهابية، ولا للإمام محمد بن عبد الوهاب مذهب خاص، ولكنه -رحمه الله- كان مجددًا لدعوة الإسلام، ومتبعًا لمذهب أحمد بن محمد بن حنبل.
وممن أثنى عليه ثناء عاطرًا الإمامان الصنعاني، والشوكاني، من أهل اليمن، ومما قال الصنعاني بين يدي قصيدة يمدح بها الشيخ:
لما طارت الأخبار بظهور عالم في نجد، يقال له: محمد بن عبد الوهاب، ووصل إلينا بعض تلاميذه، وأخبرنا عن حقائق أحواله، وتشميره في التقوى، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اشتاقت النفس إلى مكاتبته بهذه الأبيات سنة 1163هـ، وراسلناها من طريق مكة المشرفة.. وجاء في قصيدته:
محمد الهادي لسنة أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
ومنها:
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه ... يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرًا ما طوى كل جاهل ... ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادمًا ... مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد.
ومما قال الشوكاني -رحمه الله- في كتابه: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: وفي سنة 1215هـ وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان، أرسل بهما إليّ حضرة مولانا الإمام -حفظه الله-: أحدهما: يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب، كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد، والتنفير من الشرك، الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة، مشحونة بأدلة الكتاب، والسنة...
وللشوكاني قصيدة بليغة مؤثرة، في رثاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أكثر من مائة بيت، ومنها:
إمام الورى علامة العصر قدوتي ... وشيخ الشيوخ الحبر فرد الفضائل
(محمد) ذو المجد الذي عز دركه ... وجل مقامًا عن لحوقه المطاول
إلى (عبد الوهاب) يعزى وإنه ... سلالة أنجاب زكي الخصائل.
ومنها: لقد أشرقت نجد بنور خبائه ... وقام مقامات الهدى بالدلائل.
وممن أثنى عليه علامة الهند المحدث محمد بشير السهواني، في كتابه: صيانة الإنسان عن وسوسه الشيخ دحلان، وفيه: والشيخ -رحمه الله- لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة، ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب، أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العمل، والعبادات، مجمع عليه عند المسلمين، لا يخالف فيه، إلا من خرج عن سبيلهم، وعدل عن مناهجهم، كالجهمية، والمعتزلة، وغلاة عباد القبور، بل قوله مما اجتمعت عليه الرسل، واتفقت عليه الكتب، كما يعلم ذلك بالضرورة من عرف ما جاء به، وتصوره...
وممن أثنى على أحفاد الشيخ، وأتباعه الجبرتي المؤرخ المصري المشهور في كتابه: عجائب الآثار، وكذلك العلامة نعمان خير الدين الأموي، والعلامة محمود شكري الألوسي، والأمير شكيب أرسلان، وغيرهم من أهل الإنصاف، الذين طالعوا كتب الشيخ، وكتب أبنائه، وأحفاده.
وبهذا يعلم الجواب عن سؤالك الثاني، وهو عن الشيخ ابن باز -رحمه الله-، وهل هو من الوهابية؟
فنقول: بل هو عالم محق، له جهوده المعلومة في نصرة مذهب السلف، ونشر السنة، ومحاربة البدعة، فهو ينهل من المنبع الصافي، الذي نهل منه محمد بن عبد الوهاب، ومن سبقه من أهل التوحيد والاتباع، كأحمد، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وسفيان، والليث، والأوزاعي، ومن في طبقتهم، وكشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وابن رجب، ومن بعدهم. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم.