الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اتفق متقدمو الصوفية على التعويل التام على الكتاب والسنة واعتبارهما مصدرا التلقي والاستدلال الوحيدين، ويروى عنهم نصوص كثيرة في ذلك، فمن ذلك ما قاله بعض أئمتهم كأبي محمد الجنيد حيث قال : مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة. وقال أيضا : علمنا منوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به وقال أبو سليمان الداراني : " ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة ، وقال إمامهم سهل بن عبدالله التستري : مذهبنا مبني على ثلاثة أصول : الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال ، وإخلاص النية في جميع الأعمال
فهذا هو منهج هؤلاء الأكابر من متقدمي الصوفية وهو منهج رصين قائم على الاتباع ونبذ الابتداع، وهو على خلاف منهج كثير من المتأخرين ممن انتسب إليهم ، ومن هنا فقد أثنى شيخ الإسلام ابن تيمية على مشايخ الصوفية المتقدمين من أمثال الجنيد، وأبي سليمان الداراني, لاتباعهما الكتاب والسنة. أما أبو يزيد البسطامي فلا نعلم أن شيخ الإسلام أثنى عليه، والمعروف عن الشيخ هو الاعتذار عن أبي يزيد فيما وقع له من شطحات، قال رحمه الله: وكذلك صار في شيوخ الصوفية من يعرض له من الفناء والسكر ما يضعف معه تمييزه، حتى يقول في تلك الحال من الأقوال ما إذا صحا عرف أنه غالط فيه، كما يحكى نحو ذلك عن مثل أبي يزيد، وأبي الحسن الثوري، وأبي بكر الشبلي، وأمثالهم. بخلاف أبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والفضيل بن عياض؛ بل وبخلاف الجنيد وأمثالهم ممن كانت عقولهم وتمييزهم يصحبهم في أحوالهم فلا يقعون في مثل هذا الفناء والسكر ونحوه.
وأما كتاب قوت القلوب، وكتاب الفتوحات المكية، فليسا من الكتب المعتمدة عند أهل العلم في نقل الأخبار، ولذا فلا يمكن الاعتماد عليهما في الجزم بنسبة الأقوال إلى قائليها، فضلا على أن كتاب الفتوحات المكية محشو بالباطل والأكاذيب .
وما نقل في البداية والنهاية عن الجنيد، فهو منقول بلا سند، وقد سبق أن بينا حكم التسبيح بالمسبحة في عدة فتاوى انظر منها على سبيل المثال الفتوى رقم 7051.
وقد سبق أيضا أن بينا منهج شيخ الإسلام من التصوف في الفتوى رقم 31031.
والتصوف من حيث الأصل ينقسم إلى تصوف فلسفي مذموم، وتصوف سني مقبول مقيد بالكتاب والسنة مقصده الزهـــد في الدنيا، والتفــرغ للعبــادة، ومجاهدة النفس، وحملها على الأخلاق الجميلة، لكن يجب التنبه إلى أن الصوفية المعاصرة تشتمل على كثير من البدع والشركيات، و المذاهب الفلسفية، ولذا فيجب الحذر منها وراجع لمزيد من التفصيل الفتوى رقم 8500.
ولم نقف على ما يدل على أن ابن القيم كان صوفيا ثم تاب على يد شيخ الإسلام، وإنما وقفنا على أنه تاب على يد شيخ الإسلام مما كان قد وقع فيه من أخطاء في مجال الاعتقاد، حيث قال -رحمه الله- في نونيته بعد أن ذكر طائفة من البدع الاعتقادية :
يا قوم والله العظيم نصيحة * من مشفق وأخ لكم معوان
جربت هذا كله ووقعت في * تلك الشباك وكنت ذا طيران
حتى أتاح لي الإله بفضله * من ليس تجزيه يدي ولساني
بفتى أتى من أرض حران فيا * أهلا بمن قد جاء من حران
فالله يجزيه الذي هو أهله * من جنة المأوى مع الرضوان
أخذت يداه يدي وسار فلم يرم * حتى أراني مطلع الإيمان
ورأيت أعلام المدينة حولها * نزل الهدى وعساكر القرآن
ورأيت آثارا عظيما شأنها * محجوبة عن زمرة العميان
والله أعلم.