الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هناك ارتباطاً وثيقاً بين عقيدة التوحيد والأخلاق، فالنظام الأخلاقي في الإسلام منبثق من التصور الاعتقادي، فالموحِّد الذي ينطق الشهادتين ويعتقد مدلولهما اعتقاداً جازماً - يراقب الله تعالى في عمله، ويلتزم بالأخلاق الحسنة، لأنه يعلم يقيناً أن الله تعالى معه بعلمه وسمعه وبصره، وأنه يجزي المحسن على إحسانه، ويعاقب المسيء.
أما غير الموحِّد كالملحد والشاك، فليس عنده هذا الالتزام، وما يشاهده الناس من انضباط في حياة الغربيين ومحافظة على آداب الطريق ونحو ذلك، فإن الحامل عليه هو الخوف من القانون!! فالعقوبات عندهم صارمة، والغرامات فورية، والقانون يطبق على الكبير والصغير، والشرطة تنصر الولد على أبيه والزوجة على زوجها إذا حدَّ الوالد أو الزوج من حريتهما الشخصية، ولولا الكاميرات الخفية لسُرِقت المحلات التجارية، ومن رأى الغرب من الداخل يأتيك بالخبر.
فالتزام الأخلاق في الإسلام ناشئ عن رقابة ذاتية لله، وإن كان المرء وحده، ولتستمعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأمانة نزلت في جَذْر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة. رواه البخاري ومسلم.
فالحديث يدل على أن الأخلاق الإسلامية تنبع من الكتاب والسنة، ولذلك فهي والفقه في الدين صنوان، وقد جاء ذلك صريحاً في أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خياركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا. ففيه أن خيرية الإسلام قد ارتبطت بأمرين: حسن الخلق والفقه في الدين، بل إن الأخلاق في الإسلام تتسع لتشمل حتى الحيوان والنبات، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته. رواه مسلم، وانظري طائفة من الأحاديث النبوية التي تظهر منزلة الأخلاق في الإسلام في الفتوى رقم: 42432.
والله أعلم.