الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة من المعصية واجبة على الفور، ورد الحق إلى مستحقه واجب على الفور أيضًا، وكونه من شروط صحة التوبة هو قول كثير من أهل العلم، كما سبق تفصيله في الفتوى: 438559، مع الفتوى المحال عليها.
وبخصوص كلام ابن القيم؛ فإنه يتعلق بمسألة خاصة، وهي توبة القاتل العمد، وجمهور أهل العلم على قبول توبته بشروطها، فإذا سلَّم القاتل نفسه لأولياء المقتول نادمًا، سقط حق الله تعالى بالتوبة، وحق الولي بالاستيفاء، أو العفو، أو الصلح. أما المقتول؛ فإن الله تعالى يعوضه في الآخرة.
جاء في الإنصاف للمرداوي: تقبل توبة القاتل على الصحيح من المذهب. وعليه الأصحاب قاطبة. وذكر القاضي وأصحابه رواية، لا تقبل توبته.
فعلى المذهب، لو اقتص من القاتل، أو عُفي عنه، هل يطالبه المقتول في الآخرة؟ فيه وجهان. وأطلقهما في «الفروع». قال الإمام ابن القيم، رحمه الله، في «الداء والدواء» وغيره، بعد ذكر الروايتين: والتحقيق في المسألة، أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله، وحق للمقتول، وحق للولي، فإذا أسلم القاتل نفسه طوعًا واختيارًا إلى الولي؛ ندمًا على ما فعل، وخوفًا من الله، وتوبة نصوحًا، سقط حق الله بالتوبة، وحق الأولياء بالاستيفاء، أو الصلح، أو العفو، وبقي حق المقتول، يعوضه الله تعالى عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن، ويصلح بينه وبينه، فلا يذهب حق هذا، ولا تبطل توبة هذا. انتهى.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الله تعالى إذا قبل توبة القاتل في الدنيا، أرضى عنه خصمه في الآخرة، وانظر الفتوى: 164027.
والله أعلم.