الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنقول : الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبره أصحابه عن وسوسة الشيطان لهم. ولفظ الحديث: جاء رجل لرسول الله فقال: يا رسول الله: إني أحدث نفسي لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.
فدل الحديث أن ضرر الوسوسة يسير لو لم يسترسل معها الإنسان وقطعها، فخطرات النفس لم ينج منها أحد، كما قال ابن عباس. وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا حتى يقول: من خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته. وقال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأعراف: 200}. وقال سبحانه: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ {المؤمنون: 97-98}. قال بعض السلف لتلميذه: ما ذا تصنع بالشيطان إذا سول لك؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكايده وأرده جهدي، قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم.
واعلمي أن من أعظم طرق رد الشيطان بعد الاستعانة بالله والاستغاثة به طلب العلم الشرعي الشريف، لا سيما علم العقيدة، قال عبد الله بن وهب: كان أول أمري في العبادة فقطع عليّ الشيطان بذكر عيسى ابن مريم، كيف خلقه الله، قال: فذكرت ذلك للشيخ، فقال لي ابن وهب: اطلب العلم، قال: فطلبته فزال عني.
كما نوصيك بقراءة القرآن بتدبر وتفكر، والمحافظة على الأوراد الثابتة، مع دفع أي خاطرة دون التفكر فيها، مع الاستعاذة وملازمة الدعاء، وشغل النفس بما هو نافع حتى لا يبقى وقت للشيطان، وأكثري من قراءة سورة الفاتحة عدة مرات على كوب ماء واشربيه، كما قال ابن القيم، فإنه نافع مجرب.
وكذلك الإكثار من قراءة سورة الدخان وسورة ق لعدة أيام، ولو قرأتِها على ماء وشربته فخير. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس: 57}. قال ابن كثير: شفاء لما في الصدور: أي من الشبهة والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، ويحصل به الهداية والرحمة، والله نسأل أن يمن عليك بالشفاء وأن يثبتك على الحق.
والخلاصة: أن هذه الأفكار والهواجس التي تنتابك وما تتخيلينه من الأمراض كل ذلك من الشيطان وكيده، فيجب عليك الكف عن تلك الأفكار والاسترسال فيها. ولا حرج عليك إذا استمر الأمر أن تعرضي نفسك على الطبيب النفسي أو من عرف بالعلم والصلاح من أهل الرقية الشرعية.
والله أعلم.