الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم رحمك الله أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وهذا الابتلاء لا ينجو منه أحد حتى من اصطفاهم الله من عباده وهم الأنبياء، وأكثرهم بلاء في هذه الدنيا نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك هو أرفعهم درجة وأعلاهم درجة والابتلاء كما يكون في أمور الدنيا من فقد مال أو موت ولد أو تأخر في الزواج أو مرض أو غير ذلك، فإنه أيضاً يكون في الدين، فهناك من يبتلى بفعل الكبائر أو ترك الصلاة أو نحو ذلك.
فاحمد لله أن جعل مصيبتك في أمر من أمور الدنيا ولم يجعل مصيبتك في دينك، واعلم أن من ابتلاه الله في الدنيا فصبر فسيعوضه الله في الآخرة، والآخرة خير وأبقى، والآخرة خير من الأولى، وما عند الله خير للأبرار، فإذا صبرت على قدر الله فلك من الله أجر عظيم، قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}.
ومن يتصبر يصبره الله حتى يتكيف مع ما ابتلاه الله به، ولذلك ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: وجدنا خير عيشنا بالصبر.
والدنيا ساعة أو ساعات معدودة محدودة، ثم نلقى الله، وغمسة واحدة يغمسها المؤمن في الجنة تنسيه كل شقائه في الدنيا، فقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مرّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب!!! ما مرّ بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط !!. رواه مسلم.
ولمعرفة ثمرات الابتلاء وفوائده راجع الفتوى رقم: 16766، والفتوى رقم: 13270 ثم إن البلاء البدني الذي ابتليت به لا ينبغي أن يمنعك عن ممارسة الحياة بصورة طبيعية، بل عليك أن ترضى بقضاء الله وقدره رضا حقيقياً ظاهراً وباطناً ففي ذلك سعادة الدنيا والآخرة والراحة والطمأنينة ولذة الحياة التامة وامتثل وصية الناصح الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
فهناك من ابتلي في بدنه بلاء لا يستطيع معه النوم، وهناك من تعطلت كليتاه فيحتاج إلى الغسيل الكلوي دورياً، وهناك من شُلَّت قدماه ويداه فلا يستطيع الحركة إلا بمساعد وهناك من أصيب بالعمى وهناك من أصيب بالجذام وتساقط لحمه وقذره الناس وفروا منه حتى لا تصيبهم العدوى، وهناك من جُنَّ وضحك منه الصبيان وطاردوه في الشوارع ورموه بالحجارة، فأين أنت من هؤلاء؟ والله أنت في نعمة وسيزيد شعورك بها إذا قارنت نفسك بمن هو أشد بلاء منك وبمن هو أدون منك في أمور الدنيا.
فلا تستسلم لإحزان الشيطان لك، وثق بالله، وأر الله منك صبراً جميلاً واشكره على ما أنت فيه، واحمده حمداً كثيراً، ولا تتمن الموت فإن في حياتك شاكراً صابراً محتسباً رفعا لدرجاتك وتكفيرا لسيئاتك وفي موتك قطعا لذلك كله، ولا تغفل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. متفق عليه.
وهذا الدعاء أولى بك من الدعاء الذي ذكرت أنك تدعو به، وحذار من اليأس من رحمة الله، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، وقال تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}.
وإن كان لهذه التشوهات علاج، فالتمسه، ولقد تقدم الطب الطبيعي والعلاج عن طريق التمرينات وجلسات الكهرباء وما أشبه ذلك، والتزم الدعاء خاصة في الأوقات الشريفة التي ترجى فيها الإجابة كالأسحار وبين الأذان والإقامة وآخر ساعة من العصر يوم الجمعة وفي السجود وبعد الآذان ونحو ذلك.
والله أعلم.