الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقسمة التركة لا يمكن أن تخرج عن حالات القسمة الثلاث: التهايؤ والمراضاة والقرعة.
فأما التهايؤ فهي أن يستغل كل وارث بالتناوب متروكات الميت فترة من الزمن تناسب حصته من التركة.
وأما المراضاة فهي أن يتراضى الورثة على طريقة للتقسيم، بأن يأخذ كل وارث شيئا معينا من التركة، ولا يشترط أن يكون الشيء المأخوذ يساوي حصة الآخذ إذا كان المغبون بالغا رشيدا وفعل ذلك مختارا.
وأما القرعة فهي أن تحصر الممتلكات كلها وتقوم بقيمتها التي هي بها يوم التقسيم. قال خليل ذاكرا أنواع القسمة الثلاثة: القسمة تهايؤ في زمن كخدمة عبد شهرا وسكنى دار سنين كالإجارة.. ومراضاة فكالبيع وقرعة وهي تمييز حق... وقسم العقار وغيره بالقيمة.
والذي نراه والله أعلم أن الأصوب في هذه التركة التي طال زمنها والتي صار كل أهلها في سن الرشد أن تقسم بالمراضاة لأن التحقيق في تلك المصروفات سيصعب كثيرا.
وإذا كان الورثة أوبعضهم يصرون على أن تقسم التركة بالقرعة فلا مناص إذا من ذلك، لأنها هي الأصل ولأنها شرعت لرفع الضغائن، والقول لمن طلبها، وإذا أخذ بالقرعة فالذي يستطيع الحكم فيها إنما هو القضاة الشرعيون الذين لهم أهلية الاستفسار والتحقيق في كل المصروفات، وما تم شراؤه لبعض الأبناء من طرف الوالد إذا تمت حيازته من قبل الموهوب لهم حيازة معتبرة في حياة الوالد فإنهم يختصون به ولا يحسب من ضمن التركة، وإن لم يحز فإنه يصير تركة كسائر متروك الميت.
وراجع في هذا فتوانا رقم: 16216.
والسعر الذي تقوم به هذه العقارات وغيرها إنما هو قيمتها في السوق يوم التقسيم، لأن هذه الممتلكات تبقى ملكيتها مشتركة بين الجميع إلى أن يتم التقسيم.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.