الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا يمكن لأحد اليوم أن يصل إلى ما وصلت إليه مريم أو يبلغ ما بلغت من المنزلة عند الله تعالى، وما فعلته أم مريم من نذرها لما في بطنها خالصاً مفرغاً لعبادة الله تعالى وخدمة بيته خاصاً لذلك لا يشوبه شيء من أعمال الدنيا ولا ينتفع والداه بشيء من عمله أو الأنس به...كان جائزاً في شريعتهم.
وأما في شريعتنا فلا يصح نذر الوالد لولده لأنه حر، وعلى احتمال أن يكون عبداً فلا يمكن أن يكون عبداً لأبويه، ولا يصح النذر إلا أن يكون المنذور من الولد هو حظ الأبوين من الأنس به، فهذا نذر الأحرار من الأبرار. قاله ابن العربي.
ولأن العبادة في الإسلام لا تقتصر على الشعائر التعبدية أو خدمة بيوت الله تعالى... وإنما تشمل مناحي الحياة كلها إذا وافقت الشريعة وصاحبتها النية الخالصة.
فلا ينبغي للمسلم أن يقصر نفسه على العبادة دون أن يسعى في الأرض ويبتغي من فضل الله، فذلك نوع من الرهبانية التي أبدلنا الله تعالى خيراً منها وهي الحنيفية السمحة.
ولا شك أن من سعى إلى الخير وربى أبناءه على الفضيلة وعبادة الله تعالى وتعلُّم العلم وتعليمه وخدمة المسلمين والسعي في مصالحهم أنه ينال منزلة عظيمة عند الله تعالى وعند عباده، وسيجد نتيجة ذلك في حياته وبعد مماته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:...ومنهم: ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.
وأما قول السائلة الكريمة: لماذا اختار الله تعالى مريم...، فإن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء ويختار، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه...
والله أعلم.