الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالآية الكريمة: وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [ سورة الشعراء:130]، قد جاءت في سياق الحديث عن عاد، قوم هود عليه السلام، وفي بداية السياق يقول الله تعالى: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ َ [ سورةالشعراء: 124،123]، ثم يذكر سبحانه وتعالى بعض صفاتهم وأن منها البطش والظلم والانتقام، والبطش معناه: الأخذ بالعنف والغلظة والجبروت، والمعنى أنهم متسلطون ظالمون غاشمون يفعلون ذلك ظلما ودون حق، والجبار الذي يقتل ويضرب ظلما وبدون حق، كما في قوله تعالى: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ [ سورة القصص: 19]، وقيل: هو المتسلط العاتي كما في قوله تعالى: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ سورة قّ: 45 ].
قال القرطبي: والآية نزلت خبرا عن من تقدم من الأمم ووعظا من الله عز وجل في مجانبة ذلك الفعل القبيح الذي ذمهم الله تعالى به وأنكره عليهم. ثم قال: وقد كثرت هذه الأوصاف المذمومة في هذه الأمة فيبطشون بالناس ويضربونهم بالسياط والعصي في غير حق شرعي، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك يكون، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
ولا شك أن هذه الصفات الذميمة المحرمة قد تفشت في عالم المسلمين فلا تكاد تجد بلدا إسلاميا إلا ويمارس فيه البطش والقهر والسجن والتعذيب بكل وسيلة، ورحم الله الإمام القرطبي فلو رأى هذا الزمان لقال أكثر من هذا.
والحاصل أن معنى ( بطشتم جبارين): سطوتم قتلا بالسيوف وغيرها من آلات القتل وضربا بالسياط والعصي والأيدي والأرجل ظلما وعدوانا بغير حق شرعي.
والله أعلم.