الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسؤالك قد اشتمل على عدة أمور:
الأمر الأول: ما يتعلق بالقرض الذي أخذتموه من البنك، ولذلك حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون القرض حسناً أي بلا فائدة، فلا حرج في ذلك.
الحالة الثانية: أن يكون القرض ربوياً أي بفائدة، فلا يجوز الإقدام على ذلك، سواء كان من قبل الدولة أو من قبل غيرها، لأن الربا من كبائر الذنوب، وقد ورد الوعيد الشديد في القرآن والسنة على فاعل ذلك، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة: 278-279]، وقال تعالى: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة: 276]، وقال تعالى: وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39].
وقال صلى الله عليه وسلم: الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه. رواه ابن ماجه مختصراً والحاكم وصححه، وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. يعني: في الإثم.
وقال صلى الله عليه وسلم: درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية. رواه أحمد والطبراني بسند صحيح.
والأمر الثاني: ما يتعلق بدفع الرشوة لأجل الحصول على هذا القرض، ولذلك حالتان أيضاً:
الحالة الأولى: أن يكون الشخص ممن لا تتوفر فيهم شروط الدولة للحصول على هذا القرض، فلا يجوز له أن يدفع الرشوة للحصول على القرض، وإذا كان القرض ربوياً فهي ظلمات بعضها فوق بعض، فقد جمع الربا والرشوة وأكل المال بغير حقه، قال تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة: 42]، قال الحسن وسعيد بن جبير: هو الرشوة.
وقال تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 188]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وفي رواية: ...والرائش. وهو: الساعي بينهما.
والحالة الثانية: أن يكون الشخص ممن توفرت فيه الشروط المحددة من قبل الدولة للحصول على هذا القرض، ولكن المباشرين للقرض لا يعطونه حقه إلا برشوة فلا حرج حينئذ في ذلك ما لم يكن القرض ربوياً، لأن الرشوة هي ما أعطي لإحقاق باطل أو إبطال حق. أما ما أعطي لإبطال باطل أو إحقاق حق فليس برشوة وهي جائزة عند الجمهور، ويكون الإثم على المرتشي دون الراشي، وقد ورد في الأثر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان بالحبشة فأُخِذَ فرشى بدينارين، حتى خلي سبيله، وقال: إن الإثم على القابض دون الدافع. هذا طبعاً إذا كان القرض حسناً بلا فائدة كما تقدم.
والأمر الثالث: ما يتعلق بالعفو الممنوح من الدولة للمقترضين من الديون التي أخذوها، فمن كان مستحقاً لهذا القرض وفقاً للشروط المحددة فله الاستفادة من هذا العفو، ومن كان غير مستحق فلا يجوز له الاستفادة منه، بل يجب عليه رد ما أخذ إلى أهله.
والله أعلم.