الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لك العافية والسلامة مما تعاني منه، وأن يرزقك البِرّ بالوالدين، والإحسان إليهما.
واعلم أن الوصية للأمّ لا تجوز، ولا تنفذ، إلا إذا أمضاها الورثة؛ بشرط أن يكونوا بالغين راشدين؛ وذلك لحديث أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقّه، فلا وصية لوارث. رواه الترمذي، وحسنه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجوز وصية لوارث، إلا أن يشاء الورثة. رواه الدارقطني. وحسّنه الحافظ في التلخيص، وأخرج نحوه البخاري عن ابن عباس موقوفًا.
ولكنه يشرع لك أن تهب لها من مالك ما شئت، في حال صحتك ورشدك، ولا بأس أن تعطيها من مالك، ولو لم تكن محتاجة إليه؛ فذلك من صلتها، والبرّ بها، وقد قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا {الأحقاف: 15}، وفي الصحيحين أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
وفي الحديث: يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك أدناك. رواه أحمد، والنسائي.
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده -الذكور والإناث-، إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم.
والأصل في وجوب نفقة الوالدين: الكتاب، والسنة، والإجماع:
أما الكتاب، فقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء: 23}، ومن الإحسان: الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
وروت عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه. رواه أبو داود.
وأما الإجماع، فحكاه ابن المنذر، قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة في مال الولد. انتهى من المغني.
والله أعلم.