الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أباح الله تعالى للمسلم نكاح الكتابيات (اليهوديات والنصرانيات) وقيد جواز ذلك بأن تكون الكتابية محصنة (عفيفة)، قال سبحانه: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ [سورة المائدة: 5]. أما إن كانت غير عفيفة فلا يحل نكاحها.
والأولى بالمسلم ألا يتزوج إلا بمسلمة، وذلك لأنها المأمونة على نفسها وتربية أولادها تربية صالحةعندما يحصل انفصال بموت أو طلاق، أما الكتابية فالغالب فيها عدم العفة وارتباطها بالدين الذي تنتسب إليه؛ بل ربما دعته إلى مذاهب وملل أخرى كالوجودية والإلحاد، وعلى كل حالٍ فمن أصر على الزواج بالكتابية العفيفة فله ذلك إذا توافرت شروط النكاح الصحيح من إيجاب وقبول وولي وصداق وشاهدي عدل، كما هو مبين في الفتوى رقم: 1766.
وعلى هذا؛ فإن كان نكاح البلدية المذكور مستوفيا لشروط النكاح فالنكاح صحيح وإلا فهو باطل؛ إلا أنه إن كان أصحابه أقدموا عليه معتقدين حله، فإن ما نتج عن ذلك من أولاد يلحقون بآبائهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر. إلى أن قال: فثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر بل الولد للفراش؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
ثم إنه في حال اعتبار النكاح باطلا فلا بد للزوجين من تجديد عقد النكاح بشروطه الصحيحة بعد الاستبراء على الراجح إذا رغبا في الاستمرار.
والله أعلم.