الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مقتضى كون الإنسان مسلماً هو التسليم لله تعالى في أحكامه، وعدم الاعتراض عليها قال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء: 65].
وإن من وراء تشريع الأحكام كثيرا من الحكم والمصالح التي قد يطلع الله عز وجل عليها خلقه، أو قد يخفيها عنهم، فلا يجوز أن يتوقف إيمان المسلم بهذه الأحكام والعمل بمقتضاها على معرفة الحكمة في تشريعها.
ولكن هذا لا يمنع التماس الحكمة ليزداد القلب يقيناً، وهذه القضية التي أثارها هذا الأخ المسلم من جملة قضايا أثيرت حولها كثير من الشبهات، وهي قضية ميراث المرأة وكونه على النصف من ميراث الرجل، ومن نظر في هذا الأمر بتجرد تبين له أن هذا هو الذي يقتضيه العدل، إذ أن العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، لا المساواة بين من لم يكونا متماثلين، فالمرأة لما خلقها الله تعالى على حال من الضعف في بنيتها لم يجعل الله عليها من التكاليف كما هو الحال في حق الرجل، فالرجل هو الذي يدفع المهر في الزواج وهو الذي ينفق على الزوجة، ما دام موسراً، وهو الذي يتحمل الحمالات الأخرى كالديات ونحوها، وليس شيء من ذلك واجبا على المرأة، ومن هنا كان العدل أن يعطيه الله تعالى ضعف ما يعطيه للمرأة.
وفي هذا المثال الذي ذكره هذا المجادل، فهذه المرأة التي مات زوجها إن لم يكن لها ولد موسر أو أب ينفق عليها وجبت نفقتها على أخيها هذا، وكون الشريعة قد جاءت لمصالح العباد، فهذا حق لاشك فيه، لكن هذا لا يعني أن يتدخل الناس في تغيير أحكام الله تعالى بأهوائهم وأمزجتهم، فهنالك من أمور الدين ما هو من الثوابت التي لا تخضع للاجتهاد، ومنها هذه الفروض المقدرة في المواريث، ومنها ما هو محل للاجتهاد، والنظر فيه إلى المعنى الذي من أجله شرع الحكم، أو ما يترتب عليه من مصالح ومفاسد، وهو محل نظر العلماء والمجتهدين لا عامة الناس.
فعمر رضي الله عنه قد رأى سقوط سهم المؤلفة قلوبهم في الزكاة، لأنه يرى أن ذلك إنما شرع حال ضعف المسلمين، وعندما أعز الله الإسلام، انتفى هذا المعنى، فانتفى الحكم تبعاً لذلك، لذلك أثر عنه أنه قال: هذا شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم، والآن قد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم.
وأما عدم إقامة حد السرقة عام الرمادة، فلوجود الشبهة، حيث كان ذلك العام عام قحط وشدة، فربما سرق من سرق مضطراً، فوجدت الشبهة، فدرىء الحد لأجل ذلك، وبعد هذا نقول أي مصلحة في التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث، وهي لم يجب عليها ما وجب على الرجل من التكاليف، والغنم إنما يكون بالغرم، وتراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16032، 13494، 25069.
والله أعلم.