الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره السائل لا يكفي لمعرفة حقيقة هذه الشركة، وشروط إنشائها.
ثم إن فصل النزاع في الخصومات، ومسائل النزاع في الحقوق؛ مَرَدُّهُ إلى المحاكم الشرعية، أو من ينوب منابها من مجالس التحكيم.
وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
والذي يمكننا أن نفيد به السائل عموما، لا في خصوص سؤاله، أن: اشتراك أبدان في العمل، والمال من أحدهم دون أصحابه، فهذا يجمع بين الشركة والمضاربة، ولا يصح ذلك عند جمهور الفقهاء.
ويصح على مذهب الحنابلة.
قال ابن قدامة في المغني: أن يشترك بدنان بمال أحدهما. وهو أن يكون المال من أحدهما، والعمل منهما، مثل أن يخرج أحدهما ألفا، ويعملان فيه معا، والربح بينهما.
فهذا جائز، ونص عليه أحمد في رواية أبي الحارث.
وتكون مضاربة؛ لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال غيره، وهذا هو حقيقة المضاربة.
وقال أبو عبد الله بن حامد، والقاضي، وأبو الخطاب: إذا شرط أن يعمل معه رب المال، لم يصح.
وهذا مذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبي ثور، وابن المنذر. اهـ.
وإذا صحت هذه المضاربة، فالربح على ما اشترطوه، وخسارة المال على رب المال، ويخسر المضاربون جهدهم فقط، مالم يحصل منهم تعد أو تفريط.
قال ابن قدامة في المغني: إذا اشترك بدنان بمال أحدهما، مثل أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان جميعا فيه، فإن للعامل الذي لا مال له من الربح ما اتفقا عليه؛ لأنه مضارب محض، فأشبه ما لو لم يعمل معه رب المال. اهـ.
ولا يصح أن يشترط رب المال على المضاربين المشاركة في الخسارة.
قال الخرقي في مختصره: إن اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما، والوضيعة عليهما، كان الربح بينهما، والوضيعة على المال. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: وجملته أنه متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهما من الوضيعة، فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافا. والعقد صحيح.
نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة، ومالك.
وروي عن أحمد أن العقد يفسد به. وحكي ذلك عن الشافعي ...
والمذهب الأول. اهـ.
والله أعلم.