الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود بتخصيص مال للإنفاق في باب محدد: أنك قد نويتَ إنفاقه في الجهة التي قصدتها؛ فالجواب: أن هذا المال باقٍ على ملكك، فإن الصدقة لا تلزم بمجرد النية، فيجوز لمن نوى إعطاء شيء لشخص معين، أو لجهة معينة أن يصرفه إلى غير ذلك، كما يجوز له إمساكه، ما لم يدفعه بالفعل لمن كان ناويا إعطاءه له، ويقبضه.
قال في المغني: وقد انعقد الإجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال مقدر، وشرع في الصدقة به، فأخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقيه. انتهى.
وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى: (ومن ميَّز شيئا للصدقة) به (أو وكل فيه)، أي: بالصدقة بشيء، (ثم بدا له الرجوع) عن الصدقة، (سن) له (إمضاؤه) مخالفة للنفس والشيطان، ولا يجب عليه إمضاؤه، لأنها لا تملك قبل القبض. اهـ
وفي الفتاوى الهندية: وقال مجاهد: من أخرج صدقة فهو بالخيار؛ إن شاء أمضى، وإن شاء لم يمض، وعن عطاء مثله، قال الفقيه أبو الليث -رحمه الله تعالى-: وهو المأخوذ به، كذا في المحيط. اهـ
وما ذكرتَه من كتابة الوصية بإنفاق ذلك المال، وعزله، فإن الوصية يجوز الرجوع فيها، أو تعديلها، كما تقدم في الفتوى: 100333.
كما أن معاهدة النفس على عدم الانتفاع بالمال المذكور لا يحرِّمه عليك، وليست بيمين، كما تقدم في الفتوى: 402514.
وعلى افتراض أنك قد عاهدت الله تعالى، فإن هذا يمين عند بعض أهل العلم تلزم فيه كفارة يمين إذا أخذت المال المذكور. وراجع الفتوى: 96338.
فإذا تبين مما سبق أن مجرد النية لا تخرج المال عن ملكك، وأن مالك باق في ملكك، تتصرف فيه كيف شئت، فلا حرج عليك في صرفه فيما شئت، وأولى ما يصرف فيه أداء فريضة الحج.
وعليه؛ فإن كنت ممن توفرت فيه شروط وجوب الحج -كما ذكرت-، فبادر إليه، فإنه يجب فورا على المستطيع في قول جمهور العلماء، وهو القول المفتى به عندنا، كما تقدم في الفتوى: 460897.
وقد ذكرنا ماهية الاستطاعة الموجِبة للحج، وذلك في الفتويين: 205039، 22472.
واعلم أنه لم يتضح لنا مرادك من قولك: فهل يجوز لي أن أستعمل هذا المال المخصص للحج؟ أم أنه أولى لي أن أحج به؟
والله أعلم.