الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن هذه اللوحة مرسومة باليد، واقتناء مثل هذه الصورة إن كانت كاملة الهيئة؛ لا يجوز على الراجح من قول جمهور أهل العلم، فإنهم لا يرخصون في اقتناء الصور إلا ما كان مقطوعًا، أو مُمْتَهنًا بالوطء والتَّوسُّد والاتكاء ونحو ذلك، بخلاف ما يُلبس، أو يُعلق على الجدران.
وقد سبق بيان حكم الصور المرسومة مفصلًا في الفتوى: 499867.
وعليه، فإن كانت الصورة ناقصة نقصًا لا تمكن معه الحياة؛ فقد رخص فيها كثير من أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: إن قُطِعَ منه ما لا يبقى الحيوان بعد ذهابه، كصدره أو بطنه، أو جُعِلَ له رأس منفصل عن بدنه، لم يدخل تحت النهي؛ لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه، فهو كقطع الرأس.
وإن كان الجزء المقطوع يبقي الحيوان بعده، كالعين أو اليد أو الرجل، فهو صورة داخلة تحت النهي. وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان. اهـ.
ومن أهل العلم من يخص النقص بالرأس، فلا يرخص إلا فيما أزيل منه الرأس خاصة؛ لقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: الصورة الرأس؛ فإذا قُطِعَ الرأس فليس بصورة. رواه ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما بسند صحيح موقوفًا. ورواه الإسماعيلي في معجم شيوخه عن ابن عباس مرفوعًا، وصححه الألباني.
وقال أبو داود في مسائله للإمام أحمد: سمعت أحمد يقول: "الصورة الرأس". حدثنا محمد بن محبوب، قال: حدثنا وهيب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: الصورة الرأس، فإذا قُطِعَ فليس هي صورة. اهـ.
ويرجح ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أتاني جبريل، فقال: إني كنت أتيتك الليلة، فلم يمنعني أن أدخل عليك البيت الذي أنت فيه إلا أنه كان في البيت تمثال رجل، وكان في البيت قِرام ستر فيه تماثيل، فَمُرْ برأس التمثال الذي في باب البيت يُقطع، فيصير كهيئة الشجرة، وَمُر بالستر يُقطع، فيجعل منه وسادتان منتبذتان توطآن، ومر بالكلب يُخرج. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح عمدة الفقه: وكذلك الحيوان إذا قُطِعَ رأسه، أو طُمِس، لم يبق من الصور المنهي عنها؛ لحديث أبي هريرة المتقدم، فإن جبريل أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- برأس التمثال الذي في البيت أن يُقطع ويصير كهيئة الشجرة، فعُلم أن الكراهة تزول بذلك. اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج عند قول النووي في المنهاج: ويحرم تصوير حيوان.
قال: قال المتولي: وسواء أَعَمِلَ لها رأسًا أم لا، خلافًا لأبي حنيفة. وقال الأذرعي: إن المشهور عندنا جواز التصوير إذا لم يكن له رأس؛ لما أشار إليه الحديث من قطع رؤوسها. اهـ.
وهذا هو الظاهر. انتهى.
وجاء في أسنى المطالب لزكريا الأنصاري: ولا بأس بصور مبسوطة تُداس، أو يُتَّكَأ عليها، أو ممتهنة بالاستعمال، وكذا إن قُطِعَ رأسها؛ لأن مقطوع الرأس لا يشبه حيوانًا فيه روح. اهـ. باختصار وتصرف.
قال الرملي الكبير في حاشيته عليه: قال الكوهكيلوني: وكذا حكم ما صور بلا رأس، وأما الرؤوس بلا أبدان، فهل تحرم؟ فيه تردد، والحرمة أرجح. اهـ.
ولكل من القولين وجهه واعتباره، ولكن الأقرب للنص والأحوط في العمل هو القول الثاني، فالرخصة ثبتت فيما أزيل منه الرأس خاصة.
وفي الوجه من بديع الخلقة والتصوير ما ليس في بقية البدن، فقياس غيره عليه قياس مع الفارق.
وقد سبق لنا ترجيح هذا القول في عدة فتاوى، منها الفتاوى: 33103، 141193، 136256.
وإذا كانت هذه الصورة مما لا يُرخص في اقتنائه، فهي تَمنع دخول الملائكة، كما سبق بيانه في الفتوى المحال عليها أولًا. وكذلك لا يجوز بيعها ولا شراؤها.
قال ابن حزم في المحلى بالآثار: ولا يحل بيع الصور إلا للعب الصبايا فقط، فإن اتخاذها لهن حلال حسن، وما جاز ملكه جاز بيعه، إلا أن يخص شيئًا من ذلك نص فيُوقف عنده. اهـ.
وقال الخطابي في أعلام الحديث: أما بيع الأصنام فإنه فاسد ما دامت صورًا مصورة...
ويدخل في النهي عنه كل صورة مصورة في رِقٍّ، أو قِرطاس، أو نحوهما، مما يكون المقصود منه الصورة، وكان الظرف تبعًا له. اهـ.
وقال المازري في شرح التلقين: أما الصور فممنوع بيعها، وممنوع إنشاؤها؛ لما ورد من الأخبار في وعيد المصورين بعذاب، على حسب ما وقع في الأخبار.
وهذا على مذهبنا فيما سوى الأرقام التي يُحاكى بها الصور وهي تُمتَهن، على حسب ما ذكره في المدونة، وما ورد به الحديث المستثنى فيه الثياب التي تُرقم. وإذا ثبت منع التصوير واستعماله، مُنع البيع لكونه معاوضة على ما لا ينتفع به. اهـ.
والله أعلم.