الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإهداء المال لجهات حكومية لأجل أن يشتروا البضاعة من دافع المال يعد من الرشوة، ولا يجوز للعامل أو الموظف قبول هذه الهدية، لما يترتب على الهدية من استمالة القلوب، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. رواه مالك في الموطأ.
ولما يترتب على الهدية للموظف أو العامل من إفساد الذمم والإضرار بالأمة، وبالتالي ينعكس ذلك على العمل وعلى الأخلاق بصفة عامة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل كان عاملا على الزكاة وقد أهديت له هدية: فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له. رواه البخاري ومسلم.
وقد ذكر ابن حجر في الفتح عند شرح هذا الحديث: إن العامل إذا أهدي له للطمع في وضعه من الحق، لا يجوز له الاستئثار بما يهدى إليه.
والأدلة على تحريم الرشوة كثيرة جداً ومن ذلك: قوله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42]، قال الحسن وسعيد بن جبير: هو الرشوة.
وقوله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].
وروى الإمام أحمد والأربعة وحسنه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله الراشي والمرتشي في الحكم.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: الراشي والمرتشي في النار.
ودافع المال وآخذه سواء في الذنب والعقوبة، بل يستوي معهما الرائش، وهو الذي يمشي بينهما، فقد روى الإمام أحمد عن ثوبان قال: لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش.
وبالمناسبة نحذر من هذا العمل المهين، فإن بعض الناس لا يقوم بالواجب عليه من حقوق الناس في تسيير أمورهم إلا بأخذ مقابل من مال يبذل لهم، وهذا حرام عليهم وخيانة للأمانة التي حملوها، وظلم لإخوانهم، وأكل لأموالهم بالباطل فعليهم أن يخافوا الله في أنفسهم وأن يتقوا الله العزيز الجبار.
وعلى كلٍ؛ فلا يجوز لك أخي السائل الامتثال لمن يأمرك بدفع الرشوة، وإذا دفعها غيرك فلا شيء عليك ولكن عليك أن تنهى عن هذا المنكر. واعلم أن من اتقى الله جعل له فرجا ومخرجا، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
ونريد التنبيه إلى أن الرشوة التي يتوصل بها المرء إلى حقه أو لدفع ظلم أو ضرر جائزة عند الجمهور ويكون الإثم على المرتشي دون الراشي؛ ولكن يشترط هنا أن تتعين وسيلة إلى أخذ الحق أو دفع الضرر، فإن أمكن الوصول إلى الحق بدونها أو دفع الضرر بدونها فإنها لا تجوز.
قال ابن الأثير: فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه، وروي أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خلي سبيله، وروي عن جماعة من أئمة التابعين أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله، إذا خاف الظلم. انتهى.
والله أعلم.