الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الدعاء أن ينبني على الذلة، والخشوع، والمسكنة، والتضرع، وأما مراعاة تنغيمه على النحو الذي يفعله كثير من الناس مما يخرجه به إلى حد التمطيط، والتطريب بالألحان المذمومة، فهذا مكروه ينبغي أن ينهى عنه، فإن المشروع للمسلم أن يأتي بالدعاء على وجه الخشوع، والتضرع، والتدبر لمعانيه.
قال الكمال ابن الهمام رحمه الله: لا أرى تحرير النغم في الدُّعَاءِ، كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ، وَالسُّؤَالِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلَ حَاجَةٍ مِنْ مَلِكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ، وَطَلَبُهُ تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ، وَالْخَفْضِ، وَالتَّغْرِيبِ، والرجوع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية، واللعب، إذ مقام طلب الحاجة التضرع، لا التغني. انتهى.
وأما الترتيل، والتزام قواعد التجويد في الدعاء دون تنغيم، فمن العلماء من نص على عدم مشروعيته، لكونه لم ينقل، ومن العلماء من نص على أن الترتيل، والتزام أحكام التجويد ليس خاصا بالقرآن، وإنما هو صفة للكلام العربي، ولذا نص على استحباب ترتيل الحديث الشريف، والتزام قواعد التجويد فيه، وكذا يقال في الدعاء.
قال القاسمي رحمه الله: قال الإمام البديري في آخر شرحه لمنظومة البيقونية: أما قراءة الحديث مجودة كتجويد القرآن، فهي مندوبة، وذلك لأن التجويد من محاسن الكلام، ومن لغة العرب، ومن فصاحة المتكلم، وهذه المعاني مجموعة فيه -صلى الله عليه وسلم- فمن تكلم بحديثه -صلى الله عليه وسلم- فعليه بمراعاة ما نطق به -صلى الله عليه وسلم ـ ولا يخفى أن التجويد من مقتضيات اللغة العربية؛ لأنه من صفاتها الذاتية؛ لأن العرب لم تنطق بكلمها إلا مجودة، فمن نطق بها غير مجودة، فكأنه لم ينطق بها، فما هو في الحقيقة من محاسن الكلام، بل من الذاتيات له، فهو إذن من طبيعة اللغة، لذلك من تركه، فقد وقع في اللحن الجلي، لأن العرب لا تعرف الكلام إلا مجودًا. انتهى.
والأمر واسع -إن شاء الله- فمن ترك بناء على أنه لم ينقل، فهو محسن، ومن فعل لم يثرب عليه، وبكل حال، فالصلاة صحيحة -إن شاء الله-.
والله أعلم.