الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للتاجر السمح، فقال: رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى. رواه البخاري في صحيحه.
وقد علق ابن حجر على هذا الحديث قائلا: فيه الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحنة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم.
والإجارة من جملة المعاملات التي ينبغي أن يشيع فيها خلق التسامح بين المؤجر والمستأجر، كما هو الشأن بين البائع والمشتري، فالإجارة أخت البيع في الأحكام، فينبغي للمؤجر أن يكون سمحا، فلا يستغل حاجة الناس، ولا يضيق عليهم.
وإن كان الشارع لم يحدد للربح حدا ينتهي إليه لا تجوز مجاوزته، لكن لا ينبغي للمسلم أن يكون جشعاً أنانياً لا يهمه في تجارته إلا الجانب المادي فقط، وإنما ينبغي أن يكون الجانب الخلقي، والإنساني نصب عينيه، وغاية مقصده، وعلى الدولة في الحالات غير الطبيعية التدخل لضبط جشع التجار، والمؤجرين، وإذا حددت الدولة الإيجار بسبب حاجة الناس إليه، وألزمت أرباب العقار بأجرة محددة فعليهم الالتزام بذلك.
قال ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي بعد ذكره حديث أنس: والتسعير على الناس إذا خيف على أهل السوق أن يفسدوا أموال المسلمين، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق، وما فعله حكم، لكن على قوم صح ثباتهم، واستسلموا إلى ربهم، وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس، والتضييق عليهم، فباب الله أوسع، وحكمه أمضى. اهـ
ويقول ابن تيمية في كتابه الحسبة: فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير، إلا إلزامهم بقيمة المثل، فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم الله به. اهـ.
والله أعلم.