الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصبر من حميد خصال المؤمنين، وقد أثنى الله على أهل هذه الصفة، وامتدحهم في عشرات المواضع، وذلك كثير كتابا وسنة، وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر. متفق عليه من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه.
فالصبر منحة من الله يمنحها لمن يشاء من خاصة عباده، والتصبر من طرقه الدعاء، والاستعانة بالله تعالى، وقد بين أهل العلم أن الصبر أقسام، فأشرفها الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على الأقدار المؤلمة، فمن سأل الله الصبر يقصد أن يصبره الله على طاعته، وأن يصبره عن معصيته، وأن يرزقه الصبر على ما يقدره له من الأقدار المؤلمة، فقد سأل خيرا كثيرا، وقد قال الله في كتابه عن بعض خيار خلقه: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا {البقرة: 250}.
وبمثل هذا دعا السحرة حين توعدهم فرعون بما توعدهم به.
وعليه؛ فلا حرج -إن شاء الله- من سؤال الصبر، وأما الحديث الذي رواه الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يسأل الله الصبر، فقال: سألت الله البلاء، فاسأله العافية. فهو حديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، وعلى تقدير صحته، فإنه يخرج من هذا من سأل الصبر يريد أنواع الصبر كلها من الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، وغير ذلك.
ثم إن أحدا لا يكاد يخلو من مصيبة، وسؤال الله على ما ينزل من المصائب أمر حسن، فمن سأل الله أن يرزقه الصبر يعني بذلك على ما ابتلي به من المصائب، فهو محسن في ذلك، وإنما جاء النهي -على تقدير صحته- عن سؤال الصبر الذي يستلزم سؤال البلاء.
قال القاري في المرقاة: وَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ، فَقَالَ: سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَلَاءَ- لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ: فَاسْأَلْهُ الْعَافِيَةَ- أَيْ: فَإِنَّهَا أَوْسَعُ، وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْبَلَاءِ، وَمَحَلُّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ قَبْلَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ، فَلَا مَنْعَ مِنْ سُؤَالِ الصَّبْرِ، بَلْ مُسْتَحَبٌّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا. انتهى.
والحاصل أن الدعاء بالصبر بقصد جميع أنواعه، أو الدعاء بالصبر على ما نزل من البلاء حسن لا حرج فيه، وإنما ينهى عن سؤال الصبر الذي يستلزم سؤال البلاء على تقدير صحة النهي عن ذلك.
والله أعلم.