الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن السؤال غير واضح إذ لم تبين السائلة الكريمة ماذا تعني بالموقف الذي حصل لها مع أبيها، وعلى كل حال فعليها أن تبر والدها ولو عاملها معاملة سيئة، ولا يجوز لها هجرانه بأي حال من الأحوال، كيف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هجر المسلمين عامة، فما بالك بالوالدين؟! ولا يجوز لها أن تصف أباها بأنه ليس له أمان، فإن هذا التعبير لا يجوز أن يصدر من الولد تجاه والده ولو كان كما قال، وقد قال الله تعالى في شأن الوالدين ولو كافرين:[ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا] (لقمان: 15). وقال:[وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا] (البقرة: 83).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس، فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور. متفق عليه.
وقال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
ولتعلم السائلة الكريمة أن بِرَّ الأب ليس أمرا اختياريا إن وافق هواها برته وإن خالفها عقته، كما أنه ليس من باب المكافأة ولا المعاملة بالمثل، بل إن بروره حق واجب عليها، جاء في المرتبة الثانية بعد حق الله تعالى، فتجب عليها طاعته إلا في المعصية، لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
ويجب احترامه وتكريمه وتوقيره، وخلاصة القول، أنه لا يجوز لها هجر أبيها ولا لحظة واحدة، لأن هذا هو عين العقوق الذي حرم الله، بل الواجب صلته ومباسطته والصبر على ما يصدر منه. أما الأب فعليه أن يتقي الله تعالى ويحسن معاملة زوجته وابنته وليتذكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء، وقد قال صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي، وليحذر من ظلمها فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. رواه البخاري.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 40427.
والله أعلم.