الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجبر مصابك، وينزل السكينة على قلبك، وفقد الولد من المصائب العظيمة التي من صبر عليها أثيب بالثواب الجزيل. قال -تعالى- في الحديث القدسي: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه، إلا الجنة. أخرجه البخاري.
قال ابن الجوزي في (كشف المشكل): الصفيُّ المصطفى، كالولد، والأخ، وكل محبوب مؤثر. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: "فاحتسب"، أي صبر راضيا بقضاء الله، راجيا فضله. اهـ.
وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك، واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد. أخرجه الترمذي، وابن حبان في صحيحه.
وعن قرة بن إياس قال: كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما لي لا أرى فلانا؟ قالوا: يا رسول الله؛ بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسأله عن بُنيه، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: يا فلان؛ أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة، إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة، فيفتحها لي لهو أحب إلي، قال: فذاك لك. أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم.
وليس عليك شيء في موت ابنك، لا دية، ولا كفارة، ولو فُرض أن عدم الإمساك بيد ابنك في هذا الموقف يعتبر إهمالا في العرف، فإن المباشرة تلغي حكم التسبب -كما هو مقرر عند الفقهاء-، والأصل هو براءة ذمتك.
قال الجويني في غياث الأمم: كل ما أشكل وجوبه، فالأصل براءة الذمة فيه. اهـ.
وقال العز بن عبد السلام من قواعد الإحكام: فإن الله خلق عباده كلهم أبرياء الذمم، والأجساد من حقوقه، وحقوق العباد، إلى أن تتحقق أسباب وجوبها. اهـ.
وسئل ابن عثيمين كما في اللقاء الشهري: امرأة أمرت أحد أبنائها أن يذهب إلى الدكان مع أخته، فصدمته سيارة، فمات، فهل عليها صيام، علماً أن عمر الصبي ثلاث سنوات؟
فأجاب: يجب أن نعرف قاعدة مهمة ذكرها العلماء -رحمهم الله-، وقالوا في الجنايات، والحوادث: إذا اجتمع متسبب، ومباشر، فالضمان على المباشر؛ لأنه هو الذي باشر الجناية، فصاحب السيارة هو المسؤول؛ ...
فالضمان في مثل هذه الصورة على صاحب السيارة، أما المرأة، فلا شيء عليها، لا الكفارة، ولا الدية، نعم لو فرض أن المرأة -وهو بعيد جداً- أخذت بصبيها، وألقته أمام السيارة في حال لا يتمكن السائق من إيقاف السيارة، فهنا يكون الضمان على المرأة؛ لأنها متسببة، ولكني أقول: لا ينبغي للمرأة أن تخرج طفلها الصغير في سوق تكثر فيه السيارات. اهـ.
وأما قولك :(هل نزعه الله مني؛ لظلمي وتسلطي عليه؟)، فهذا أمر غيبي لا يعلمه، إلا الله -تعالى-.
والذي ننصحك به، ألا تركني لتحزين الشيطان، وتقنيطه لك، وتحميلك سبب موت ابنك.
وعليك بالتوبة من ضربك له، والله -سبحانه- يتقبل توبتك بفضله. وراجعي الفتوى: 80504.
وأما بخصوص سؤالك هل وقع منك ظلم لأبيه؟ فالأصل براءة الذمة، كما تقدم، فدعي عنك الوساوس في هذا الباب.
وأما الشفاعة، فإن الأطفال يشفعون لآبائهم يوم القيامة، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي حسان، قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم، صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه، أو قال أبويه، فيأخذ بثوبه، أو قال بيده، كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى، أو قال: فلا ينتهي، حتى يدخله الله وأباه الجنة.
فيرجى لك أن تنالي شفاعته يوم القيامة بإذن الله -تعالى-.
والله أعلم.