الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمثل هذا الدعاء ورد عن بعض السلف في حال إرادة التكفير عن خطأ، أو تقصير، إيثارا لعقوبة الدنيا على حساب الآخرة، كما قال ابن الجوزي في رسالة «الثبات عند الممات»: ومنهم من جرت له خطايا، فآثر عقاب النفس على ما جنت، كما قال طلحة: "خذ مني لعثمان، حتى ترضى"، وكما سلم ماعز نفسه إلى الرجم، والغامدية. اهـ.
ودعاء طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- كان يوم الجمل، حيث قال: إنا داهنا في أمر عثمان، فلا نجد اليوم شيئا أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، اللهم خذ لعثمان مني اليوم، حتى ترضى. رواه ابن سعد في الطبقات، وخليفة بن خياط في تاريخه، والبلاذري في أنساب الأشراف، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وروى الحاكم في المستدرك مثله عن علي -رضي الله عنه-، وصححه على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي. وأورده صاحب كتاب «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»، وانظر الفتوى: 10605.
ومن هذا المعنى -أيضا- ما ذكره المُبَرِّد في «الكامل» عن ابن عباس قال: دخلت على عمرو بن العاص، وقد احتضر .. فقلت: يا أبا عبد الله؛ إنك كنت تقول: أشتهي أن أرى عاقلاً يموت، حتى أسأله كيف يجد، فكيف تجدك؟ قال: أجد السماء كأنها مطبقة على الأرض، وأنا بينهما، وأراني، كأنما أتنفس من خرم إبرةٍ، ثم قال: اللهم خذ مني، حتى ترضى ... .اهـ.
وعلى ذلك، فالأفضل، والأسلم أن يسأل المسلم ربه الشهادة في سبيله، والدرجات العلى من الجنة بغير حساب، فهذا أنفع، وأجمع، وهو الموافق للمنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام. وقد قال البخاري في صحيحه: باب الدعاء بالجهاد، والشهادة للرجال، والنساء. وقال عمر: اللهم ارزقني شهادة في بلد رسولك ... .اهـ.
وأعقبه بباب: (درجات المجاهدين في سبيل الله)، أسند فيه حديث: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين، كما بين السماء، والأرض، فإذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة ....
وأثر عمر السابق قد وصله البخاري قبل ذلك في كتاب فضائل المدينة من صحيحه بلفظ: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك -صلى الله عليه وسلم-.
والله أعلم.