الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمجرد كراهيتكِ القلبية لأمكِ بسبب تصرفاتها، لا إثم عليك فيه؛ لأن الأمور القلبية لا كسب لصاحبها فيها ولا يؤاخذ بها ما لم يترتب على ذلك قول أو فعل، وقد قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 5}. وانظري الفتوى : 108898 .
لكن من المحزن جدا أن نسمع مثل هذا الكلام من بنت تجاه والدتها، فإن الوالدة حقها عظيم، وهي التي حملت وولدت وسهرت وربت، فلا ينبغي أن يكون جزاؤها هو النفور عنها، أوكراهيتها بسبب بعض التصرفات التي تصدر منها، وهي تقصد بذلك صلاح وإصلاح بنتها، ولو كان أسلوبها فيه خطأ، لكن لابد من التماس العذر لها، والإحسان إليها، وتعويد القلب محبتها بذكر كل هذه المحاسن، والتي تعتبر بعض السيئات مغمورة في بحر هذه المحاسن والحسنات..
وقد أحسنتِ بصبركِ عليها، وحرصك على البر بأمكِ، والإحسان إليها، وتجنب ما يؤدي للعقوق، وهذا هو المطلوب شرعا، فمن حق الوالدين برهما، والإحسان إليهما وإن أساءا، كما هو مبين في الفتوى: 299887.
وليس من حق أمكِ فتح غرفتكِ، والاطلاع على خصوصياتكِ، وليس لها تهديدكِ بفتح الباب، ونحو ذلك، ولكن ينبغي أن تراعي الحكمة في التعامل معها، وتعملي على مداراتها، لتتقي شرها، لئلا يتطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، ومن ذلك أن تحفظي الأشياء التي لا تحبين اطلاع أمكِ عليها، وإن كانت تخشى أن يكون عندكِ ما لا ترضاه لكِ مما قد تترتب عليكِ منه مفاسد، فطمئنيها بعدم وجود هذه الأشياء، أو التخلص منها إن وجدت.
ونوصيكِ بكثرة الدعاء لها أن يصلح الله تبارك وتعالى حالها، فربنا سميع مجيب، وهو القائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة: 186}.
ويمكنكِ أن تستعيني في مناصحتها بمن لهم وجاهة عندها.
والله أعلم.