الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق.، وفي رواية عنه: نهى عن تلقي البيوع.، وعن أبي هريرة: نهى أن يتلقى الجلب.
وفي رواية: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار.
قال النووي رحمه الله: وفي هذه الأحاديث تحريم تلقى الجلب وهو مذهب الشافعي ومالك والجمهور، وقال أبو حنيفة والأوزاعي يجوز التلقي إذا لم يضر بالناس فإن أضر كره، والصحيح الأول للنهي الصريح، قال أصحابنا وشرط التحريم أن يعلم النهي عن التلقي ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل فاشترى منه ففي تحريمه وجهان لأصحابنا وقولان لأصحاب مالك أصحهما عند أصحابنا التحريم لوجود المعنى ولو تلقاهم وباعهم ففي تحريمه وجهان وإذا حكمنا بالتحريم فاشترى صح العقد، قال العلماء وسبب التحريم إزالة الضرر عن الجالب وصيانته ممن يخدعه، قال الإمام أبو عبد الله المازري: فإن قيل المنع من بيع الحاضر للبادي سببه الرفق بأهل البلد واحتمل فيه غبن البادي والمنع من التلقي أن لا يغبن البادي، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار. فالجواب: أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل إلى مصلحة الناس والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد لا للواحد على الواحد فلما كان البادئ إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق واشتروا رخيصا فانتفع به جميع سكان البلد نظر الشرع لأهل البلد على البادى ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصة وهو واحد في قبالة واحد لم يكن في إباحة التلقي مصلحة لا سيما وينضاف إلى ذلك علة ثانية وهي لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص وقطع المواد عنهم وهم أكثر من المتلقي فنظر الشرع لهم عليه فلا تناقض بين المسألتين بل هما متفقتان في الحكمة والمصلحة. والله أعلم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار سواء أخبر المتلقي بالسعر كاذباً أم لم يخبر وإن كان الشراء بسعر البلد أو أكثر فوجهان الأصح لا خيار له لعدم الغبن، والثاني: ثبوته لإطلاق الحديث. انتهى.
والله أعلم.