الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمهما تكرر الذنب، وتكررت التوبة، فهي مقبولة بإذن الله، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة: 222}.
قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسيره: أي: من الذنب، وإن تكرر غشْيانه. انتهى.
والإعراض عن التوبة بحجة الخوف من عدم قبولها؛ حيلة شيطانية؛ للصد عن التوبة؛ فإنّ التوبة من أكثر ما يغيظ الشيطان.
جاء في كتاب التوبة لابن أبي الدنيا: عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: خِيَارُكُمْ كُلُّ مُفْتَنٍ تَوَّابٍ، قِيلَ: فَإِنْ عَادَ؟ قَالَ: «يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ»، قِيلَ: فَإِنْ عَادَ؟ قَالَ: «يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ»، قِيلَ: حَتَّى مَتَى؟ قَالَ: «حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَحْسُورَ»، وفيه عن جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: كَيْفَ لَا يَستَحيي أَحَدُنَا أَنَّهُ لَا يَزَالُ مُتَبَرِّكًا إِلَى رَبِّهِ يَسْتَغْفِرُ مِنْ ذَنْبٍ، ثُمَّ يَعُودُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ يَعُودُ، قَالَ: قَدْ ذُكِرَ لِلْحَسَنِ، فَقَالَ: «وَدَّ الشَّيْطَانُ لَوْ ظَفِرَ مِنْكُمْ بِهَذِهِ، فَلَا تَمَلُّوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ».انتهى.
فالواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله، وقطع كل علاقة بهذا الرجل فورا، واعلمي أنّ التائب الصادق يجتنب أسباب المعصية، ويقطع الطرق الموصلة إليها، ويحسم مادة الشر، ويحذر من اتباع خطوات الشيطان.
فاقطعي كل سبيل لتلك العلاقة الآثمة، واحذري من تخذيل الشيطان، وإيحائه لك باليأس، والعجز عن التوبة، والاستقامة، فذلك من وسوسته، ومكائده، فإنّ التوبة يسيرة بإذن الله تعالى.
قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله- في منهاج العابدين: فإن قلت: إنما يمنعني من التوبة أني أعلم من نفسي أني أعود إلى الذنب، ولا أثبت على التوبة فلا فائدة في ذلك.
فاعلم أن هذا من غرور الشيطان، ومن أين لك هذا العلم؟ فعسى أن تموت تائباً قبل معاودة الذنب. وأما خوف العود .. فعليك العزم، والصدق في ذلك، فبذلك تتخلص من ألم الذنب، وتكون بين إحدى الحسنيين، والله ولي التوفيق، والهداية. انتهى.
فاستعيني بالله تعالى، وتوكلي عليه، وجاهدي نفسك على الثبات على التوبة، واحرصي على مصاحبة الصالحات، وسماع المواعظ النافعة، واشغلي وقتك بما ينفعك، وأبشري خيراً، وأحسني ظنك بربك. وأكثري من ذكر الله، ودعائه، فإنّه قريب مجيب.
والله أعلم.