الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبالنسبة لشراء الشركات لتراب المعدن نقول أولا: إن الفقهاء اختلفوا أصلا في شراء تراب المعدن، فمنع منه الشافعية مطلقا، للجهالة بقدر المعدن الموجود في التراب، وعند المالكية، والحنابلة يجوز بيعه بغير جنسه، ولا يجوز بجنسه، جاء في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس لمؤلفه ابن الجلاب: ولا بأس بشراء تراب المعدن من الذهب، والورق بغير جنسه، ولا يجوز شراؤه بشيء من جنسه. انتهى.
وفي الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير على مختصر خليل المالكي: لَا يَمْنَعُ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ بِغَيْرِ صِنْفِهِ، وَأمَّا بِهِ فَيُمْنَعُ، لِلشَّكِّ فِي التَّمَاثُلِ.
وفي المغني لابن قدامة الحنبلي: وَيَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ، وَالصَّاغَةِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ... انتهى.
وعلى جواز بيع تراب المعدن بغير جنسه، فالذي يظهر أن شركات التعدين المذكورة تزكي تراب المعادن هذا زكاة عروض التجارة، لأنها تعتبر اشترت عرضا لتتربح منه، فيكون حوله حول المال الذي اشترته به، وكما هو معلوم: فإن زكاة عروض التجارة يختلف حكمها عن حكم زكاة المعدن، إذ يشترط لزكاتها حولان الحول على رأس المال الذي اشتريت به، وتزكى حسب قيمتها، لا عينها، وتضم جميع أنواعها، وأجناسها -أي كل ما يعده التاجر للتجارة يضم- ويزكى كمال واحد، بخلاف زكاة المعدن فلا يشترط لها حول، ولا يضم غير المعدن له في الزكاة من أموال أخر، والزكاة في الذهب نفسه لا في قيمته.
قال ابن هبيرة في كتابه اختلاف الأئمة العلماء: وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يعْتَبر الْحول فِي زَكَاة الْمَعْدن إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي أَنه يعْتَبر فِيهِ الْحول. اهــ.
وقال ابن قدامة في المغني: وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ حِينَ يَتَنَاوَلُهُ، وَيَكْمُلُ نِصَابُهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ لَهُ حَوْلٌ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا شَيْءَ فِي الْمَعْدِنِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ـ وَلَنَا، أَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ حَقِّهِ حَوْلٌ، كَالزَّرْعِ، وَالثِّمَارِ، وَالرِّكَازِ. اهــ.
وإذا تقرر أن زكاة شركات التعدين لما اشترته من تراب المعدن تأخذ حكم زكاة عروض التجارة، فتزكى كل سنة حسب القيمة، فلا داعي للتعليق على ما افترضه السائل، وفرع عليه مما يتعلق بزكاة المعدن، وليس واردا على زكاة عروض التجارة، وللفائدة تراجع الفتويان: 99948 160703.
والله أعلم.