الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبادات الواردة على روايات متنوعة كالاستفتاح مثلا، والتشهد ونحو ذلك. يستحب عند جمع من العلماء التنويع فيها، بالإتيان برواية منها مرة، وبرواية أخرى واردة مرة أخرى، وهكذا.
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: العبادات التي فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنواع، يشرع فعلها على جميع تلك الأنواع، لا يكره منها شيء، وذلك مثل أنواع التشهدات، وأنواع الاستفتاح، ومثل الوتر أول الليل وآخره، ومثل الجهر بالقراءة في قيام الليل، والمخافتة، وأنواع القراءات التي أنزل القرآن عليها، والتكبير في العيد، ومثل الترجيع في الأذان وتركه، ومثل إفراد الإقامة وتثنيتها ...
فما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنواع متنوعة، وإن قيل إن بعض تلك الأنواع أفضل. فالاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة، أفضل من لزوم أحد الأمرين وهجر الآخر. اهـ.
وانظري الفتوى: 436036.
وأما التنقل بين المذاهب الأربعة رجاء إصابة السُّنة: فلم نر من تكلم عليه من أهل العلم.
وأما في خصوص الوضوء: فإن وضوءه -صلى الله عليه وسلم- مرة واحدة، كان نادرا؛ لبيان الجواز. وإلا فمعظم وضوئه -صلى الله عليه وسلم- هو الوضوء ثلاثا.
جاء في شرح النووي على صحيح مسلم: وهذا كما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثا ثلاثا، ومرة مرة، فكان الثلاث في معظم الأوقات؛ لكونه الأفضل. والمرة في نادر من الأوقات؛ لبيان الجواز. اهـ.
وما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- لبيان الجواز هو أفضل في حقه وحده في تلك الحال؛ لما فيه من البيان والتبليغ.
جاء في سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، للصالحي: بل قيل: لا يتصور وقوع المكروه منه أيضاً؛ لأنه فعل ما هو مكروه في حقنا، أو خلاف الأولى كوضوئه -صلى الله عليه وسلم- مرةً مرة، فذلك لبيان الجواز.
وقد حكى الإمام النوويّ عن العلماء أن وضوءه صلى الله عليه وسلم على تلك الصفة أفضل في حقّه من التثليث. اهـ.
فلا يستقيم القول باستحباب الوضوء مرة واحدة، لموافقة فعل النبي صلى الله عليه وسلم. بل الأفضل هو الوضوء ثلاثا ثلاثا، وأما الاقتصار على مرة واحد فهو مباح، وليس مستحبا.
والله أعلم.