الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل وجوب وفاء الطالب بما عليه من رسوم دراسية؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. {سورة المائدة:1}، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». رواه الترمذي.
ولا يجوز التخلف عن الدفع بحجة عدم الفهم من المدرس، فقد يكون عدم الفهم راجعا إلى الطالب لا بسبب من المدرس.
وإذا حل وقت الدفع، وكان الطالب يملك المال، وطالبه المدرس بالدفع، وجب عليه الدفع قولا واحدا، ولم يجز له أن يتأخر عن السداد؛ لأن المبلغَ مستحقٌّ في ذمة الطالب، والتأخر عن سداده مع القدرة مطل. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وأما إذا لم يطالبه المدرس بدفع المال، فقد اختلف الفقهاء في وجوب أداء الحق من غير مطالبة، هل يجب، أم يتوقف الوجوب على المطالبة بالحق؟
قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة، عن حديث: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَطْلِ بِالْحَقِّ. وَلَا خِلَافَ فِيهِ، مَعَ الْقُدْرَةِ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: هَلْ يَجِبُ الْأَدَاءُ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ؟ وَذُكِرَ فِيهِ وَجْهَانِ. اهــ.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: أَمَّا قَبْل الطَّلَبِ، فَقَدْ وَقَعَ الْخِلاَفُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: هَل يَجِبُ الأْدَاءُ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ، حَتَّى يُعَدَّ مَطْلاً بِالْبَاطِل قَبْلَهُ؟ وَحَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمَال الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ إِلَى تَرْجِيحِ عَدَمِ الْوُجُوبِ قَبْل الطَّلَبِ، لأِنَّ لَفْظَ " الْمَطْل " فِي الْحَدِيثِ يُشْعِرُ بِتَقْدِيمِ الطَّلَبِ، وَتَوَقُّفِ الْحُكْمِ بِظُلْمِ الْمُمَاطِل عَلَيْهِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَطْل يَثْبُتُ بِالتَّأْجِيل وَالْمُدَافَعَةِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. اهــ.
وقد ذكر بعض فقهاء الشافعية أن الأداء يجب في بعض الحالات، ولو من غير طلب من صاحب الحق. ففي حاشية الجمل على شرح المنهاج: يَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ أَدَاءُ الدَّيْنِ فَوْرًا إنْ خَافَ فَوْتَ أَدَائِهِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ إمَّا بِمَوْتِهِ، أَوْ مَرَضِهِ، أَوْ بِذَهَابِ مَالِهِ، أَوْ خَافَ مَوْتَ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ طَالَبَهُ رَبُّ الدَّيْنِ، أَوْ عَلِمَ حَاجَتَهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ. اهــ.
والله أعلم.