الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على غيرتك على عرضك، وعلى حرمات الله تعالى، فهذا من شأن المؤمن.
فنسأله -سبحانه- أن يجزيك خيرا، ويتوب عليك فيما ذكرت من انتهاكك لحرمات الله في الخلوة، وكثرة سماع الموسيقى، وندعوك إلى المبادرة إلى التوبة النصوح.
وراجع الفتوى: 79528، والفتوى: 29785.
ولنبدأ بالكلام عن أمك، فإنك قد ذكرت عنها جملة من الصفات الحسنة، فينبغي أن تتخذ ذلك مدخلا في كلامك معها، وبذل النصح لها فيما قد يصدر عنها من أقوال، أو أفعال مخالفة للشرع.
وليكن نصحك لها بمزيد من الأدب، فإن انتفعت بنصحك، فالحمد لله، وإلا فدعها، فالوالدان ليسا كغيرهما.
جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فَصْلٌ فِي أَمْرِ الْوَالِدَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيِهِمَا عَن الْمُنْكَرِ:
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَن الْمُنْكَرِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ، وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا تَرَكَهُ. وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ. انتهى.
وما قلناه عن أمك نقوله عن أخواتك، اجعل ما ذكرت عنهن من صفات طيبة مدخلا لنصحهن برفق ولين، وتذكيرهن بالله -عز وجل- وأن الواجب المبادرة للتوبة، والالتزام بالحجاب، واجتناب كل ما يدعو للفتنة، وتذكيرهن كذلك بأن الموت يأتي فجأة، وأن الله -سبحانه- قال: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ {الزمر53- 55}.
ومن انتفعت منهن بالنصح، فذاك، وإن استمرت في غيها فيمكنك هجرها إن رجوت أن يكون الهجر سببا لصلاحها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوَّتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم. فإنَّ المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامَّة عن مثل حاله؛ فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشَّرِّ وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشَّرّ، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف. انتهى. ولا تنس أن تكثر من الدعاء لهن بالهداية.
وننبه إلى بعض الأمور:
الأول: أن الحجاب فريضة على المرأة المسلمة، فالواجب المبادرة إليه، ولا يجوز التسويف فيه. والواجب التوبة من جميع المعاصي، ولا يشترط للتوبة من إحداها التوبة من الأخرى.
الثاني: لا يجوز للابن أن يرتضي المنكر الذي فعلته أخته ولو ارتضته أمه، فليس ذلك من البر في شيء، ولا يجوز أن يطاع المخلوق في معصية الله -تبارك وتعالى- بما في ذلك الوالدان.
الثالث: أن ابن الخالة أجنبي، فلا يجوز للمرأة اعتباره كالمحرم، بل تعامله كأجنبي، وتجتنب معه كل ما لا يجوز، ويدعو للفتنة من التقبيل ونحوه.
والله أعلم.