الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآيات التي فيها الأمر بالصوم نزلت بالمدينة النبوية، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.... إلى قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {البقرة:187}.
جاء في صحيح البخاري -3- 28: عن البراء -رضي الله عنه- قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم {البقرة: 187} ففرحوا بها فرحا شديدا، ونزلت: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود. اهـ.
وجاء في سنن أبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام، ثم أنزل رمضان وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام، وكان الصيام عليهم شديدا، فكان من لم يصم أطعم مسكينا، فنزلت هذه الآية: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ـ فكانت الرخصة للمريض والمسافر، فأمروا بالصيام، قال: وحدثنا أصحابنا، قال: وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل، لم يأكل حتى يصبح، قال: فجاء عمر بن الخطاب فأراد امرأته، فقالت إني قد نمت، فظن أنها تعتل فأتاها، فجاء رجل من الأنصار فأراد الطعام، فقالوا حتى نسخن لك شيئا، فنام، فلما أصبحوا أنزلت عليه هذه الآية: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم. اهـ
والحديث صححه الألباني.
وأما عن كون السورة قد تكون فيها آيات مكية وأخرى مدنية: فهذا واقع، ومذكور في بعض المصاحف، وكتب علوم القرآن.
والله أعلم.