الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن من عاهد الله على قربة وطاعة؛ فهي نذر، ويمين. ومن عاهد الله على ما ليس بقربة؛ فهي يمين، لا نذر.
وإلى هذا التفصيل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فقال -كما في الفتاوى الكبرى-: إذا قال: أعاهد الله أني أحج العام؛ فهو نذر، وعهد، ويمين. وإن قال: لا أكلم زيدًا؛ فيمين، وعهد، لا نذر. فالأيمان إن تضمنت معنى النذر وهو: أن يلتزم لله قربة، لزمه الوفاء بها، فهي عقد وعهد ومعاهدة لله؛ لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه. اهـ.
فمعاهدة الله على ترك المعصية، تعتبر نذرًا ويمينًا.
فإذا ارتكبت تلك المعصية قبل حدوث الأمر الذي حددته، فقد أخللت بالعهد الذي يعتبر هنا يمينًا ونذرا، ويجب عليك بسبب ذلك التوبة إلى الله. وتجب عليك كفارة يمين.
قال ابن تيمية في الاختيارات: ما وجب بالشرع إذا نذره العبد، أو عاهد الله عليه، أو بايع عليه الرسول، أو الإمام، أو تحالف عليه جماعة، فإن هذه العقود والمواثيق تقتضي له وجوبا ثانيا، غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول، فيكون واجبا من وجهين. ويكون تركه موجبا لترك الواجب بالشرع والواجب بالنذر.
هذا هو التحقيق. وهو رواية عن أحمد، وقاله طائفة من العلماء. اهـ.
والمعاهدة تنحل بالحنث فيها أول مرة، فلا تتكرر الكفارة بتكرر الفعل، إلا إن نويت تكرر الحنث، أو كان في لفظ المعاهدة ما يقتضي التكرار مثل (كلما).
قال ابن جزي في القوانين الفقهية: ولا يتكرر الحنث بتكرار الفعل، إلا إذا أتى بصيغة تقتضي التكرار، كقوله: كلما، ومتى وشبه ذلك، أو يقصد التكرار. اهـ.
والواجب على المسلم اجتناب المعاصي ولو لم يعاهد على تركها. ومعاهدة الله -جل وعلا- يُكره الإقدام عليها؛ لما جاء من النهي عن النذر. وخشية العجز أو التفريط في الوفاء بها.
وانظر الفتوى: 398704.
والله أعلم.