الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا أمرك والدك بزيارته في بيته؛ فالواجب عليك طاعته في ذلك، وكونك تكره زوجته التي تقيم معه في بيته؛ لا نراه مسوّغا لامتناعك من زيارته، فالوالد هو المقصود بالزيارة، وليست زوجته، والبقاء بعض الوقت مع أبيك في وجود من تكره قد يكون فيه مشقة؛ لكنه ليس من الضرر الذي يسقط به وجوب بر الوالد.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا. انتهى من الفتاوى الكبرى.
ومن السائغ عرفًا أن يتحمل الإنسان مثل هذه المشقة لمصلحة مرجوة، فمن أولى المصالح التي تحتمل في سبيلها المشقة بر الوالد؛ فهو سبب رضوان الله، ودخول الجنة، فعن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.
قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ، وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.
وإذا كانت زوجة أبيك ليست من الأرحام الواجب صلتها؛ فصلتها مستحبة، لما فيها من بر الأب، وإذا أمر بزيارتها وجبت طاعته، ما لم يكن فيها ضرر.
وراجع الفتوى: 416164.
والله أعلم.