الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حقّ زوجتك عليك أن تسكنها في مسكن مستقل مناسب، لا تتعرض فيه لضرر، ولا حقّ لك في إجبارها على السكن مع والديك في مسكن مشترك، إلا إذا رضيت بذلك بطيب نفس.
قال الكاساني -رحمه الله- في بدائع الصنائع: ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها، أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته، وبنته من غيرها، وأقاربه، فأبت ذلك؛ عليه أن يسكنها في منزل مفرد؛ لأنهن ربما يؤذينها، ويضررن بها في المساكنة. وإباؤها دليل الأذى والضرر. انتهى.
وفي شرح ميارة: سُئِلَ مَالِكٌ عَن امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، فَأَسْكَنَهَا مَعَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَشَكَتْ الضَّرَرَ فِي ذَلِكَ؟
فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَعَهُمَا. فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ يَقُولُ: إنَّ أَبِي أَعْمَى، وَأُغْلِقُ دُونِي وَدُونَهُ بَابًا. قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رُئِيَ ضَرَرٌ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ رُئِيَ ضَرَرٌ يُحَوِّلُهَا عَنْ حَالِهَا. انتهى.
والواجب عليك برّ والديك والإحسان إليهما، ولا سيما أمّك، فإنّ حقّها عليك عظيم.
وليس في إسكان زوجتك في مسكن مستقل؛ ظلم لأمك، أو تقصير في برّها؛ فبإمكانك أن تسكن قريبا من بيت والديك، أو تسكن في دارهم، ويكون لزوجتك مسكن مستقل بمرافقه، فيسهل عليك رعاية والديك، وتفقد أحوالهما، والقيام بمصالحهما.
والخلاصة أنّ عليك الجمع بين برّ والديك، وإحسان عشرة زوجتك.
ومن استعان بالله، واستعمل الحكمة والمداراة، كان حريا بالتوفيق لهذا الأمر.
والله أعلم.