الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله -تعالى- أن ييسر أمركم، ويفرج كربكم، ويصلح الحال بين والديك.
ونوصيك بالاستمرار في الدعاء، فالرب -سبحانه- قد أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.
وقلوب العباد بين يديه -سبحانه- يقلبها كيف يشاء، فهو قادر على أن يغير الحال من الشقاق والخصام، إلى المودة والوئام.
ونوصيك أيضا بالاستعانة ببعض الفضلاء من الأقرباء وغيرهم؛ ليعينوك في سبيل الإصلاح، وليبذلوا النصح لجدتك إن كانت تتدخل بين والديك على وجه الإفساد.
والحديثان المذكوران رواهما الترمذي في سننه، وحكم الشيخ الألباني عليهما بالصحة.
وقد تضمن الحديثان الوعيد الشديد لأصناف من الناس، ومنهم المرأة التي تعصي زوجها فيما يجب عليها طاعته فيه.
وقد اختلف العلماء فيما تجب فيه الطاعة، فمنهم من رأى عموم ذلك في كل ما لا معصية لله فيه، ومنهم من خصه بأمور النكاح وتوابعه، وهو ما نفتي به، وانظري للمزيد، الفتوى: 50343.
ولا يحل للمرأة الخروج للعمل دون رضا زوجها، وإلا كانت عاصية، ما لم تكن قد اشترطت عليه قبل الزواج أن تعمل.
فقد دلت السنة على أنه لا يحل للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه. روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ، مَسَاجِدَ اللهِ.
قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ: قَوْلُهُ: لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَن لَا خُرُوجَ لَهُنَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ؛ لَخُوطِبَ النِّسَاءُ بِالْخُرُوجِ، وَلَمْ يُخَاطَبْ الرِّجَالُ بِالْمَنْعِ. اهـ.
وهذا من جهة العموم.
وبخصوص الخلاف بين والديك في هذا الأمر، فيبدو أنه بسيط، بدليل ما ذكرت أنه يقوم بإيصالها للعمل، فهذا يشير إلى أنه لا يمانع من ذلك.
وقد ذكرت في سؤالك الخمار، والخمار هو غطاء الرأس، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وتسدله ليستر النحر والصدر، وجاء فيه قول الله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ {النور:31}.
روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير في هذه الآية، قال: يعني النحر والصدر، ولا يرى منه شيء. اهـ.
وهذا الخمار فرض باتفاق العلماء.
وإن كنت تعنين به النقاب الذي هو غطاء الوجه، ففي حكم تغطية المرأة وجهها بالنقاب أو غيره، خلاف بين العلماء، سبق بيانه في الفتوى: 4470.
وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد، والخلاف فيها سائغ.
والذي نرى رجحانه أنه يلزم الزوجة طاعة زوجها في مثل هذه المسائل، ما دامت طاعتها له لا توقعها في أمر تعتقد حرمته، أو تحملها على ترك ما تعتقد وجوبه.
هذا بالنسبة للزوجة.
وأما الزوج، فهل يجب عليه إلزامها بما يراه واجبًا، ومنعها مما يرى حرمته؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم، سبق أن ذكرناه في الفتوى: 130355.
والذي نراه أن يجتهد والدك في محاولة إقناع أمك بالنقاب من غير تعنيف أو عصبية، خاصة وأنك قد ذكرت عنها بعض الصفات الطيبة، فالمرجو منها أن تستجيب.
وننصح أمك بالحرص على ستر وجهها، فهذا أبعد لها عن الفتنة، وفيه خروج من خلاف العلماء، مع ما في ذلك من طاعة الزوج.
وينبغي أن تسلطي عليها في هذا الأمر بعض أهل العلم الناصحين، ممن ترجين أن تستجيب لقولهم.
والله أعلم.