الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبناء المساجد من أفضل القربات، وهو من الصدقات الجارية، التي يستمر نفعها، فلو بنيت لأبيك، وأمك مسجدا، أو بنيت لكل واحد منهما مسجدا، فذلك خير كثير، وأجره لاحق لهما، بلا شك.
والأفضل في ذلك ما كان أنفع للناس. فلو كان بناء مسجد كبير في مكان يحتاج الناس فيه إليه؛ أنفع من بناء مسجدين، فهو أولى. والعكس بالعكس.
والله لا يضيع أجر عامل، ولا سعي ساعٍ، فعن عثمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من بنى لله مسجدا، بنى الله له مثله في الجنة. متفق عليه. وفي رواية لأحمد من حديث ابن عباس: ولو كمفحص قطاة.
قال الشوكاني: قَوْلُهُ: مَنْ بَنَى لِلهِ مَسْجِدًا؛ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ الْمَذْكُورَ يَحْصُلُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، لَا يَجْعَلُ الْأَرْضَ مَسْجِدًا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ تَحْوِيطُهُ، مِنْ غَيْرِ حُصُولِ مُسَمَّى الْبِنَاءِ، وَالتَّنْكِيرُ فِي مَسْجِدٍ لِلشُّيُوعِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَبِيرُ، وَالصَّغِيرُ، وَعَنْ أَنَسٍ، عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا، بِزِيَادَةِ لَفْظِ: كَبِيرًا، أَوْ صَغِيرًا -وَيَدُلُّ لِذَلِكَ رِوَايَةُ: كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ-، وَهِيَ مَرْفُوعَةٌ ثَابِتَةٌ.... وَحَمَلَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُهُ الْقَطَاةُ لِتَضَعَ فِيهِ بَيْضَهَا، وَتَرْقُدَ عَلَيْهِ، لَا يَكْفِي مِقْدَارُهُ لِلصَّلَاةِ، وَقِيلَ: هِيَ عَلَى ظَاهِرِهَا: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَزِيدُ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ إلَيْهِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ هَذَا الْقَدْرَ، أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَةٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ، فَيَقَعُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْرُ. انتهى.
والحاصل أن عليك تحري ما هو أنفع للمسلمين، فتفعله؛ لأن ذلك أبلغ في الأجر، وأعظم في المثوبة -إن شاء الله-.
والله أعلم.