الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأخ الذي يحرص على مدارسة الفقه، إن كان يتعلم أحكام فروض الأعيان: كأحكام الطهارة، والصلاة، ونحوهما لمن يحتاجها، فإن انشغاله بها أولى وأفضل؛ لأن ذلك فرض عين، يجب تقديمه وتعلمه على كل فرد بعينه، بعد علم العقيدة والتوحيد.
قال الأخضري المالكي في مقدمته: أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ: تَصْحِيحُ إِيمَانِهِ، ثُمَّ مَعْرِفَةُ مَا يُصْلِحُ بِهِ فَرْضَ عَيْنِهِ، كَأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَالطَّهَارَةِ، وَالصِّيَامِ.. انتهى.
وجاء في الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي: أَفْضَلُ الْعُلُومِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ -بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَصْلِ الدِّينِ، وَعِلْمِ الْيَقِينِ- مَعْرِفَةُ الْفِقْهِ، وَالْأَحْكَامِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. انتهى.
وانظر الفتوى: 288304.
أما إذا كنتم قد حصلتم على فرض العين من الفقه، وما يجتهد فيه الأخ من دراسة الفقه هو من فروض الكفاية؛ فإن الأولى دراسة تفسير القرآن الكريم، وتدبر معانيه؛ فإن القرآن نزل ليتدبر، ويفهم معناه، وقد جاء الحث على ذلك في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ {ص:29}.
وقد يختلف هذا الحكم من شخص لآخر؛ فبعض الناس ينشرح صدره، ويفتح الله ذهنه للفقه، ويجد الرغبة في تعلم الشريعة، والحلال والحرام، وبعضهم يكون له ذلك في التفسير، وبعضهم في الحديث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على الإخنائي: وقد يكون العمل المفضول في حق بعض الناس أفضل، لكونه أنفع له، وكونه أرغب فيه، وهو أحب إليه من عمل أفضل منه، لكونه يعجز عنه، أو لم يتيسر له. انتهى.
ولذلك؛ فقد يكون الأفضل للأخ المذكور الاشتغال بدراسة الفقه إن كان أحب إليه، أو كان أكثر انتفاعا به من غيره. وراجع المزيد في الفتوى: 314137.
واعلم أن تعلم الفقه لا يحتاج إلى إجازة، بل يحق لمن قدر على الاستفادة من الأحكام الفقهية أن ينظر فيها، وينتفع بها، ولا تأثير لجلستكم في المسجد بعد الفجر على الحكم.
وأما قولك عن الأخ: يجتهد في أحكام الفقه من غير إجازة. فإن كان قصدك به أنه يجتهد في استخراج الأحكام الشرعية الفرعية، ويستنبطها من الأدلة؛ فإن لذلك شروطا لا بد من توفرها في المجتهد، وانظر الفتوى: 117907.
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى: 142119، وهي بعنوان: أفضل علوم الشريعة.
والله أعلم.