الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكاية رسالة الإمام الشافعي إلى الإمام أحمد بأنه سيمتحن في خلق القرآن. ذكرها غير واحد من أهل العلم: كابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد. وابن عساكر في تاريخ دمشق، بأسانيد تكلم عليها بعض المحققين، وأن فيهم من هو متهم.
وممن نقلها الإمام السبكي في طبقات الشافعية، وابن مفلح في الآداب الشرعية.
قال ابن مفلح: وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، وَاشْتُهِرَتْ عَلَى أَلْسِنَةِ الْخَلْقِ، وَتَحَلَّتْ بِهَا الْكُتُبُ الْمُدَوَّنَةُ.. اهـ.
كما نقلها ابن كثير في البداية والنهاية. فقال: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: بَعَثَنِي الشَّافِعِيُّ بِكِتَابٍ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَأَتَيْتُهُ وَقَدِ انْفَتَلَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ. فَقَالَ: أَقَرَأْتَهُ؟ فَقُلْتُ: لَا! فَأَخَذَهُ فَقَرَأَهُ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَمَا فِيهِ؟ فَقَالَ: يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام. فقال: اكْتُبْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاقْرَأْ عَلَيْهِ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ سَتُمْتَحَنُ وَتُدْعَى إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَلَا تُجِبْهُمْ، يَرْفَعُ اللَّهُ لَكَ عَلَمًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ الرَّبِيعُ: فَقُلْتُ: حَلَاوَةُ الْبِشَارَةِ، فَخَلَعَ قَمِيصَه الَّذِي يَلِي جِلْدَهُ فَأَعْطَانِيهِ، فَلَمَّا رجعت إلى الشافعي أخبرته، قال: إِنِّي لَسْتُ أَفْجَعُكَ فِيهِ، وَلَكِنْ بُلَّهُ بِالْمَاءِ وأعطينيه حتى أتبرك به. انتهى.
وفي بعض الروايات: حتى أشركك فيه.
وقال عنها الذهبي في سير أعلام النبلاء، في ترجمة الرَّبِيْع بن سُلَيْمَانَ: وَلَمْ يَكُنْ -الربيع- صَاحِبَ رِحلَةٍ، فَأَمَّا مَا يُرْوَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ بعثَهُ إِلَى بَغْدَادَ بِكِتَابِهِ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فغيرُ صَحِيْحٍ. انتهى.
وعلق عليها محمد رشيد رضا في مجلة المنار بقوله: والسند الذي ذكروه لا يصح. اهـ.
إذا؛ فالحكاية حكم عليها الذهبي -وهو من هو- بعدم الصحة إجمالا، وحكم محمد رشيد رضا على سندها بعدم الصحة.
والحاصل أن تلك الرواية غير صحيحة.
والله أعلم.