الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمشروع في صلاة الاستخارة أن تكون بعد هم المرء بالأمر، كما جاء في الحديث: إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل.. الحديث، وفي آخره: ويُسَمِّي حاجَتَهُ. رواه البخاري.
وقد اختلف أهل العلم في المراد بالهم، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال ابن أبي جمرة: قوله: إذا هم ـ يشير إلى أول ما يرد على القلب، يستخير، فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير، بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده، وقويت فيه عزيمته، وإرادته، فإنه يصير له ميل، وحب، فيخشى أن يخفى عنه وجه الأرشدية، لغلبة ميله إليه، قال: ويحتمل أن يكون المراد بالهم العزيمة، لأن الخاطر لا يثبت، فلا يستمر إلا على ما يقصد التصميم على فعله، وإلا لو استخار في كل خاطر، لاستخار فيما لا يعبأ به، فتضيع عليه أوقاته، ووقع في حديث ابن مسعود: إذا أراد أحدكم أمرا فليقل. اهـ.
والأظهر أن المراد بالهم: هو قصد أحد الأمرين، أو الاحتمالين، قال ابن مَلَك الكَرمانيّ في شرح المصابيح: إذا همَّ أحدُكم بالأمر ـ أي: قصد أمرًا من نكاح، أو سفرٍ، وغيرهما. اهـ.
وقال الفيومي في شرح الترغيب، والترهيب: همَّ ـ بمعنى عزم عليه، أي: إذا قصد الإتيان بفعله، أو تركه، فإن الإرادة بمعنى الهم. اهـ.
وقال ابن علان في الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية: أي إذا قصد الأمر المهم المخير بين فعله وتركه، وتردد في أنه خير في ذاته، أو في إيقاعه في ذلك الوقت، أو في تأخيره عنه. اهـ.
وعلى ذلك، فإذا تردد المرء بين أمرين لا يدري أيهما أفضل له وأصلح، فليتدبر حاله، وليستشر أهل الخبرة، فإذا ظهرت فيه المصلحة وهمَّ به، صلى صلاة الاستخارة، وسمى فيها هذا الأمر.
قال النووي في الأذكار: اعلم أنه يستحب لمن خطر بباله السفر أن يشاور فيه من يعلم من حاله النصيحة، والشفقة، والخبرة، ويثق بدينه، ومعرفته.. وإذا شاور وظهر أنه مصلحة، استخار الله سبحانه وتعالى في ذلك. اهـ.
قال ابن علان في شرحه: ظاهر كلامه ـ بل صريحه ـ تقديم الاستشارة قبل الاستخارة، قال ابن حجر الهيتمي: وليس ببعيد حتى عند التعارض، لأن الطمأنينة إلى قول المستشار أقوى منها إلى النفس، لغلبة حظوظها، وفساد خواطرها. اهـ.
وقال الفيومي في شرح الترغيب، والترهيب: ولتكن الاستشارة قبل الاستخارة، فإذا شاور، وظهر أنه مصلحة استخار الله تعالى في ذلك. اهـ.
والله أعلم.