الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالشرع الحنيف قد أتى بالتيسير، ورفع الحرج عن المكلفين، كما قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}. وقال: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16}. وقال: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286}.
ومن القواعد الفقهية الكلية المتفق عليها أن: المشقة تجلب التيسير.
وعليه، فإن كان انفلات الريح ملازمًا لك أكثر الوقت، وخاصة وقت الصلاة، كلما توضأت خرج الريح، فإنه يعتبر بمثابة سلس البول، ولا ينقض الوضوء حينئذ، وقيل إن لازم أكثر الوقت، لا كله، ندب منه الوضوء، ما لم يشق ذلك، وهذا هو ما أشار إليه خليل في مختصره الفقهي بقوله: وندب إن لازم أكثر، لا إن شق ـ قال الخرشي شارحا: أي: وندب الوضوء إن لازم أكثر الزمان، وأولى مع التساوي... ومحل الاستحباب إذا لم يشق، فإن شق ببرد، ونحوه، فلا يندب، وكذا إن دام، إذ لا فائدة في الوضوء. انتهى
والخلاصة أن المبتلى بسلس الريح، ونحوه من الأحداث الملازمة له: يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضره ما خرج منه بعد ذلك في أثناء الصلاة، لأن المشقة تجلب التيسير، ففي حديث فاطمة بنت أبي حبيش: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. رواه أحمد، وأبو داود.
وإذا توضأ صاحب السلس، وصلى، ثم جاء الوقت التالي، ولم يخرج منه شيء، ولم يحصل ناقض آخر، هل يكتفي بالوضوء الأول؟ أم لا بد من وضوء آخر؟ في ذلك خلاف، قيل يتوضأ، وقيل هو باق على طهارته، وله أن يصلي بذلك الوضوء الأول.
قال في الإنصاف في شأن المستحاضة: وتتوضأ لوقت كل صلاة، إذا خرج شيء بعد الوضوء، فأما إذا لم يخرج شيء، فلا تتوضأ، على الصحيح من المذهب، جزم به في المغني، والشرح، وغيرهما، وقدمه في الفروع، ونص عليه فيمن به سلس البول. انتهى.
وقال في الفروع لابن مفلح: وتتوضأ لكل صلاة، إلا ألا يخرج شيء، نص عليه فيمن به سلس البول. وقيل: يجب ولو لم يخرج، وهو ظاهر كلام جماعة. انتهى.
والأحوط هو الوضوء، خروجا من الخلاف، وللفائدة انظري الفتوى: 76540.
والله أعلم.