الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نراه أن اشتراط العودة على الموفد، والعمل في دولته مدة معينة، إنما هو في الأحوال الاعتيادية، كتلك الأحوال التي كانت حين بدأ بعثته الدراسية، وأما غيرها من الأحوال الاستثنائية، والطارئة، فيراعى فيها واقع الحال، ويحكم فيها بما يناسبها من أحكام، ولذلك لا نرى عليكم إثما فيما فعلتم، ولا يلزمكم الرجوع؛ ما دمتم لا تأمنون على أنفسكم في بلدكم، ولاسيما إذا كانت الرواتب تتأخر مع الحاجة إليها؛ لأن دفع الأجرة هو الآخر شرط يلزم الدولة توفيره لتفريغ العامل لعمله، والأمن على النفس، والأهل، والمال شرط في صلاحية المكان للسكنى، والإقامة، بل هو شرط في وجوب كثير من العبادات، والأحكام الشرعية، فإذا فُقِد حصلت الرخصة، ومن أمثلة ذلك:
خروج المرأة المُحِدَّة من البيت الذي وجب عليها الإحداد فيه، عند حصول الخوف، جاء في الموسوعة الفقهية: إن طرأ على المحدة ما يقتضي تحولها عن المسكن الذي وجب عليها الإحداد فيه، جاز لها الانتقال إلى مسكن آخر تأمن فيه على نفسها، ومالها، كأن خافت هدما، أو عدوا... والبدوية إذا انتقل جميع أهل المحلة الذين هي معهم، أو بقي منهم من لا تأمن معه على نفسها، ومالها، فإنها تنتقل عن السكن الذي بدأت فيه الإحداد كذلك. اهـ.
ومن ذلك في باب العبادات: أن من كان بينه، وبين الماء عدو، أو لص، أو سبع، أو حية يخاف على نفسه الهلاك، أو الضرر الشديد، أبيح له التيمم.
ومنه: أنه يسقط عن المصلي شرط استقبال القبلة إذا خاف من نحو عدو، أو سبع.
ومنه أن: الجماعة تسقط لخوف على نفس، أو مال، أو عرض.
ومنه: أن الجمعة لا تجب على خائف على نفسه، أو ماله.
ومنه أنه: يشترط لوجوب الحج أمن الطريق في النفس، والمال، والعرض.
ومنه أنه: يشترط في وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أن يأمن الإنسان على نفسه، أو ماله، وغير ذلك.
ومن شروط مسكن الزوجية أن تأمن فيه الزوجة على نفسها، ومالها.
ـ مستفاد ملخصا من الموسوعة الفقهية الكويتية.
فإذا كانت بعض العبادات يسقط وجوبها إذا فُقِد الأمن على النفس، أو المال، فغيرها من عقود الناس، وشروطهم أولى؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دين الله أحق أن يقضى. رواه البخاري، ومسلم.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق. رواه البخاري، ومسلم.
والله أعلم.