الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيكم في دينكم ودنياكم، وأن يكفيكم بحلاله عن حرامه، ويغنيكم بفضله عمن سواه.
فلتستغفر الله تعالى مما سلف منك من الإقدام على معاملات محرمة.
وأما أخذ أرباح هذه المعاملات للبدء في تجارة مباحة، فلا بأس به ما دمت فقيرا لا تجد غيره، فإن هذا المال لا يُترك للمحفظة، وإنما يسحب وينفق على الفقراء والمساكين، وأنت وعائلتك من جملتهم، فلكم أن تأخذوا منه بقدر حاجتكم أسوة ببقية الفقراء.
قال الغزالي في الإحياء: له أن يتصدّق على نفسه، وعياله -يعني بالمال الحرام الذي بيده- إذا كان فقيرًا.
أما عياله وأهله فلا يخفى؛ لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله، بل هم أولى من يتصدّق عليهم.
وأما هو؛ فله أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضًا فقير، ولو تصدّق به على فقير لجاز، وكذا إذا كان هو الفقير. اهـ.
ونقله النووي في «المجموع»، ثم قال: وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه.
ونقله الغزالي أيضًا عن معاوية بن أبي سفيان، وغيره من السلف، عن أحمد بن حنبل، والحارث المحاسبي، وغيرهما من أهل الورع؛ لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر؛ فلم يبقَ إلا صرفه في مصالح المسلمين. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وللفقير أكله -يعني المال الحرام المأخوذ برضا الدافع-، ولوليّ الأمر أن يعطيه أعوانه، وإن كان هو فقيرا، أخذ كفايته. اهـ.
ولا يلزمك إن ربحت تجارتك أن تخرج مثل المال الذي أخذت، ولكن هذا أفضل وأحسن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن تابت هذه البغي، وهذا الخمار، وكانوا فقراء؛ جاز أن يصرف إليهم من هذا المال مقدار حاجتهم، فإن كان يقدر يتّجر، أو يعمل صنعة -كالنسج، والغزل-، أعطي ما يكون له رأس مال. وإن اقترضوا منه شيئًا ليكتسبوا به ... كان أحسن. اهـ.
والله أعلم.