الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالربا نوعان: ربا نسيئة وربا فضل، أو ربا جليّ وربا خفي، فالجلي هو ربا النسيئة، يقول ابن القيم: وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال، وكلما أخره زاده في المال حتى تصير المائة عنده آلافاً مؤلفة... وسئل الإمام أحمد عن الربا الذي لا شك فيه؟ فقال: هو أن يكون له دين فيقول له: أتقضي أم تربي؟ فإن لم يقضه زاده في المال وزاده في الأجل. انتهى.
فهذا النوع لا يختلف المسلمون في تحريمه، فهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع.
النوع الثاني: ربا الفضل: وهو الذي يكون في الأعيان الربوية وانظر في هذه الأعيان وأحكام التفاضل فيها الفتوى: 44420.
وكما أجمعت الأمة على تحريم ربا النسيئة، فكذلك أجمعت على تحريم التفاضل في بيع الربويات إذا اجتمع التفاضل مع النساء، وأما إذا انفرد نقداً فإنه كان فيه خلاف قديم بين الصحابة؛ إذ خالف في ذلك ابن عباس رضي الله عنهما، ثم انقرض هذا الخلاف وصار الإجماع منعقداً على التحريم، وممن نقل الإجماع على ذلك النووي عن ابن المنذر، وناقش السبكي دعوى الإجماع وانتهى إلى القول: فعلى هذا امتنع دعوى الإجماع في تحريم ربا الفضل بوجه من الوجوه ولكننا بحمد الله تعالى مستغنون عن الإجماع في ذلك بالنصوص الصحيحة المتضافرة، وإنما يحتاج إلى الإجماع في مسألة خفية سندها قياس أو استنباط دقيق. انتهى.
وأدلة تحريم ربا الفضل كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر... مثلا بمثل سواء بسواء. وغيره كثير.
وأما قول السائل (وبميزان الربح والخسارة كيف تستفيد المصارف إذا حرمنا.... إلخ) فنقول: إن الله تعالى لم يحرم شيئاً من الحرام إلا وفتح للناس باباً من الحلال، فحرم الربا وأحل البيع، وحرم الزنا وأحل الزواج، وحرم الخمر وأحل الطيبات وهكذا.
والبنوك إذا أرادت تحقيق الربح، فبإمكانها ذلك بأن تتعامل ببدائل أخرى حلال كالمضاربة أو المرابحة...، ثم لتعلم أن الإقراض من عقود التبرعات والإرفاق، ولا يقصد منه الربح بحال، فإذا كانت البنوك قادرة على الإقراض ولها من السيولة المالية بحيث تتمكن من الإحسان إلى الناس، فلتفعل ذلك إحساناً ولأصحاب الأموال الأجر والمثوبة، وإن لم يك عندها قدرة ولا استطاعة، فليس بلازم لها، وتسلك للربح مسالكه الصحيحة الشرعية من بيع وشراء واستصناع وصرافة...
والله أعلم.