الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنودّ أن ننبّه أولًا إلى أن العقد الشرعيّ تصبح به المرأة زوجة؛ فلا يصحّ أن يطلق عليه خِطبة؛ فالخِطبة مجرد مواعدة بالزواج؛ ولذلك يجوز لأيّهما فسخها متى شاء، كما هو مبين في الفتوى: 365077.
والمرأة المتزوّجة لا يجوز لها طلب الطلاق من زوجها إلا لمسوّغ شرعي، وتراجع الفتوى: 37112.
وكتابة الطلاق يعتبر كناية من كناياته؛ فلا يقع بها الطلاق إلا إذا نواه الزوج، ولا فرق في أن تكون الكتابة عبر الهاتف، أو غيره، وراجع الفتوى: 131074.
فالأمر -إذن- يحتاج للرجوع للزوج لمعرفة ما كانت عليه نيته عند كتابة الطلاق.
وعلى تقدير وقوع الطلاق؛ فإن المرأة المطلّقة قبل الدخول، لا عِدّة عليها؛ فيجوز لها الزواج من آخر، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا {الأحزاب:49}.
ولكن يبقى النظر فيما إذا كان قد خلا بها خلوة صحيحة، وهي التي يمكن فيها الوطء عادة؛ فيرى كثير من أهل العلم وجوب العِدّة في هذه الحالة، قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك: أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح؛ استقرّ عليه مهرها، ووجبت عليها العِدّة، وإن لم يطأ، روي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر، وبه قال علي بن الحسين، وعروة، وعطاء، والزهريّ، والأوزاعيّ، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وهو قديم قولي الشافعيّ. انتهى.
وبما أن هنالك حاجة إلى معرفة نية الزوج، وخلاف فيما يترتب على الخلوة الصحيحة؛ فنرى أن الصواب رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية؛ فحكم القاضي مُلزِم، ورافِعٌ للخلاف في المسائل الاجتهادية، جاء في الفروق للقرافي: اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، ويُرجِع المُخالِفَ عن مذهبه لمذهب الحاكم... اهـ.
والله أعلم.