الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم -أخي السائل- أولًا أن الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسّس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوّره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه، فنقول باختصارٍ ما يلي:
أولًا: ليس لأحد من الورثة أن يسكن في شيء من العقار الموروث، أو يستغلّه في التجارة، أو غيرها دون إذن بقية الورثة.
فإن لم يأذنوا لفظًا أو عُرْفًا واستغلّ هو العقار المشترك؛ كان متعديًا، ومن حقّهم أن يطالبوه بدفع الأجرة؛ لأن العقار الموروث صار ملكًا لهم جميعًا، ويملك كل واحد منهم فيه بقدر نصيبه في الميراث، ويقسمون الأجرة على أسهم الميراث.
ثانيًا: سبق أن بينا في فتاوى سابقة أن الأملاك التي لا تقسم بين الورثة إلا بضرر، أو ردّ عوض، أنها لا تقسم إلا بالتراضي، ولا يجبر أحد من الورثة على القسمة ما دام هناك ضرر، ولكن يجبر الورثة على البيع، إن طالب به أحدهم، والضرر المانع من قسمة الإجبار نقص القيمة بالقسمة، كما فصلناه في الفتوى: 104153، والفتوى: 136382.
ثالثًا: إذا كان العقار قابلًا للقسمة دون ضرر، فإن الورثة يجبرون على القسمة، ومن امتنع منهم، رفع أمره إلى المحكمة الشرعية؛ حتى تجبره بما يلزم شرعًا.
والله أعلم.