الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يجمعك وأهلك على الهدى والتقى، وأن يسلك بكم سبيل المفلحين.
واعلم أن المسلم كما أنه ينظر إلى المخالفين بعين الشرع فيأمرهم وينهاهم، إلا أنه كذلك مأمور بالنظر إليهم بعين القدر؛ فيرحمهم، ويعتذر لهم، ويترفق بهم.
وأما ازدراء العصاة واحتقارهم، والترفع عليهم، فهذا قد ينبئ عن أمراض خطيرة من عجب، وكبر، ورؤية نفس، وتَأَلٍّ على الله، ما قد يكون أشد خطرا من الذنوب الظاهرة.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته، لما فيه من صولة الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذلة والخضوع، والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى، والكبر، والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب أنفع له، وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها، والاعتداد بها، والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله! وما أقرب هذا المدل من مقت الله، فذنب تذل به لديه، أحب إليه من طاعة تدل بها عليه، وإنك أن تبيت نائما، وتصبح نادما، خير من أن تبيت قائما، وتصبح معجبا، فإن المعجب لا يصعد له عمل .اهـ.
وعليه نوصيك بالآتي:
1- الرحمة بأهلك، والشفقة عليهم، والترفق بهم.
2- الابتعاد عن القسوة، والغلظة، والفظاظة معهم.
3- الصبر، والأناة، وعدم الاستعجال على ظهور ثمرة النصح.
4- الحذر من الانتصار للنفس والحميّة لها عند عدم الاستجابة لنصيحتها: فهذه آفة قادحة في الإخلاص، ينبغي لك الحذر منها أشد الحذر.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: يتعين الرفقُ في الإنكار، قال سفيان الثوري: لا يأمرُ بالمعروف، ويَنهى عن المنكرِ إلاّ من كان فيه خصالٌ ثلاثٌ: رفيقٌ بما يأمرُ، رفيقٌ بما ينهى، عدلٌ بما يأمر، عدلٌ بما ينهى، عالمٌ بما يأمر، عالم بما ينهى. وقال أحمد: النّاسُ محتاجون إلى مداراة، ورفق الأمر بالمعروف بلا غِلظةٍ، إلا رجل معلن بالفسق، فلا حُرمَةَ له، قال: وكان أصحابُ ابن مسعود إذا مرُّوا بقومٍ يرون منهم ما يكرهونَ، يقولون: مهلاً رحمكم الله، مهلاً رحمكم الله، وقال أحمد: يأمر بالرِّفقِ والخضوع، فإن أسمعوه ما يكره، لا يغضب، فيكون يريدُ ينتصرُ لنفسه .اهـ.
5- تخير الأوقات والأحوال المناسبة لإسداء النصيحة.
6- انتقاء ألطف العبارات وأجملها وأرقها في النصيحة، لا سيما مع والدتك، وإذا كان الله قد أمر بحسن صحبة الوالدين المشركين، وهما يجاهدان ابنهما على الشرك والكفر، كما قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا{لقمان:15}، فكيف يفكر المسلم في هجر والدته المسلمة لوقوعها في بعض المخالفات؟!
7- التودد إليهم بالهدايا وغيرها من أنواع الإكرام التي تكون سببا في زيادة محبتهم لك، وقبولهم لنصحك.
وانظر في آداب النصيحة الفتويين التاليتين: 13288، 114049.
وقد سبق لنا بيان بعض وسائل تقوية الإيمان، وعوامل الثبات، والاستقامة، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 12928، 76210، 10800.
ويمكنك التواصل مع قسم الاستشارات بالموقع لمزيد الفائدة.
https://www.islamweb.net/ar/consult/
والله أعلم.